الرئيسية / المقالات / الدعوة والداعية بقلم: د. فتحي أبو الورد
د. فتحي أبو الورد

الدعوة والداعية بقلم: د. فتحي أبو الورد

كان الدرس الأكبر الذى وعاه المسلمون فى غزوة أحد والذى ترسخ فى عقولهم، وحفر -من بعد- فى ذاكرتهم هو الارتباط بالدعوة لا بالداعية، وبالفكرة لا بالأشخاص، وبالرسالة لا بمن بلغها، وبمن أرسل الرسول لا بالرسول.

فلا يعنى غيابه تنكبا عن الطريق أو انقطاعا عن العمل، ولا يعنى اختفاؤه الرجوع إلى الخلف أو العودة إلى الوراء، أو الوقوف فى الطريق وإعلان انتهاء المهمة.

لما صرخ شيطان فى غزوة أحد بأن محمدا قد مات، قال البعض: إذا كان محمد قد مات فلم نقاتل، وقال آخرون: إذا كان محمد قد مات فلم نعيش، موتوا على ما مات عليه.

قال ابن إسحاق فى السيرة النبوية المعروفة بسيرة ابن هشام: انتهى أنس بن النضر، عم أنس بن مالك، إلى عمر بن الخطاب، وطلحة بن عبيد الله، في رجال من المهاجرين والأنصار، وقد ألقوا بأيديهم، فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فماذا تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا.. فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استقبل القوم، فقاتل حتى قتل. قال أنس بن مالك: لقد وجدنا بأنس بن النضر يومئذ 70 ضربة، فما عرفه إلا أخته.. عرفته ببنانه.

ونزل التعقيب القرآنى ليؤكد هذه الحقيقة ويصوب فهم أنس بن النضر فى قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144].

وعلى هذا ترسخ فهم الصحابة، ولذلك انتقل النبى صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى ورسالة الإسلام محصورة داخل جزيرة العرب، ثم انطلقت الفتوحات على هدى صاحب الرسالة شرقا وغربا حتى بلغت من الاتساع والقوة ما عبر عنه هارون الرشيد مخاطبا السحابة العابرة بقوله: أمطرِ حيث شئت؛ فإن خراجك سيحمل إلينا.

وهذا ما حرص على ترسيخه الأستاذ البنا فى نفوس إخوانه فى العصر الحديث، ومما يروى فى هذا الصدد أنه بعد الانتهاء من إحدى المشكلات قال : الآن أموت وأنا مطمئن على مسيرة الدعوة. فاستدرك بعضهم على كلامه، لأنه ما زال فى شبابه، ودعا له بطول العمر، وكأن المكان لا يملؤه غيره، فرد عليه مصححا ومرسخا لقضية الارتباط بالفكرة والرسالة والقيادة أيا كانت: والله لا أكون قد ربيت فيكم أحدا أبدا إذا قلتم : لقد كنا بإمامنا السابق أفضل منا بإمامنا الحالى.

وفقنا الله وإياكم للعمل لدينه ونصرة شريعته والإخلاص لدعوته.

 

شاهد أيضاً

ترزي القوانين وتعديلات دستور العسكر!! كتبه عزالدين الكومي

“فتحي سرور” الذي تجاوز الثمانين من عمره، تاريخه معروف،فهو أحد أعضاء التنظيم الطليعى الناصرى، وبعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *