تتمثل الطريقة التقليدية للنظر إلى المملكة العربية السعودية في أن العائلة المالكة تحكم بتوافق الآراء وتوخّي الحذر، من خلال اختيارها للقادة على أساس الخبرة والأقدمية. إلّا أنه تم نقض هذه الرؤية بشكل متزايد منذ تولّي الملك سلمان العرش في يناير 2015 وظهور ابنه محمد بن سلمان البالغ من العمر ثلاثة وثلاثين عاماً، والذي أصبح ولي العهد منذ يونيو 2017.
وفي ظل حُكم محمد بن سلمان، الذي يتحوّل حالياً يوماً بعد يوم إلى الزعيم الفعلي للمملكة، بدأت السعودية بتحويل اقتصادها (على شكل خطته المعروقة بـ «رؤية المملكة 2030») ومجتمعها (على سبيل المثال، افتتاح دور السينما وإعطاء النساء الحق في قيادة السيارات) ودينها (عودة مفترضة إلى «الإسلام الأكثر اعتدالا». ومع ذلك، لم يَفتح المجال السياسي أمام السعوديين العاديين؛ كما يبدو أنّه قلّص بشكل كبير من دور العائلة الواسعة لآل سعود، مما أدى إلى تهميش الآلاف من الأمراء.
ويبدو أنّ هيكل السلطة الواسع الذي كانت تتمتع به المملكة سابقاً يقع حالياً على عاتق رجلين. فقد أصبح الملك سلمان، البالغ من العمر 82 عاماً، والذي يعاني تدهوراً في حالته الصحية، مجرد ملك صوري، وإن كان ذلك ملائماً من الناحية الدبلوماسية للرياض خلال أزمة جمال خاشقجي. وتم الحفاظ مؤخراً على هيبته كحاكم البلاد من خلال مكالمة هاتفية من الرئيس ترامب وزيارة قصيرة قام بها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو. وصدرت الأوامر الملكية باسم العاهل السعودي بإقالة مستشار إعلامي رئيسي لمحمد بن سلمان وأربعة من مسؤولي المخابرات، على الرغم من أنّ مشاركة الملك في اتخاذ هذا القرار غير واضحة.
وفي غضون ذلك، أصبح محمد بن سلمان ولي العهد الأكثر قوة في التاريخ السعودي. فمنذ استبدال والده كوزير للدفاع قبل نحو أربع سنوات، ركز باستمرار جميع القوات العسكرية المتفرقة في المملكة تحت سيطرته. وحين قام بتنسيق استقالة ولي العهد السابق محمد بن نايف في العام الماضي، عمل على نقل قيادة وزارة الداخلية إلى أمير شاب هو ابن شقيق محمد بن نايف، في حين أضعف الهيمنة الأمنية للمؤسسة السابقة. وعلى نحو مماثل، عندما اتُّهم آخر منافس واضح للأمير، ولي العهد متعب بن عبدالله بالفساد، واحتُجز في فندق ريتز – كارلتون في الرياض في نوفمبر الماضي، تم تجريده من منصبه كقائد «الحرس الوطني السعودي» القوي واستبداله بأحد أفراد الأسرة البعيدين عن المركز.
أما الأمراء القلائل الذين تمكّنوا من الحفاظ على أهمّيتهم، فهم كبار جداً أو صغار جداً في السن من أن يتمكنوا من منافسة محمد بن سلمان، الذي قام بانتظام بتهميش مجموعة من أفراد العائلة المالكة في الخمسينات والستينات من عمرهم والذين ربما كانوا يعتبرون أنفسهم سابقاً كمتنافسين مستقبليين على العرش. ومن بينهم:
الأشقّاء الأحياء للملك سلمان. يهيمن نظرياً هؤلاء الأمراء سواء بشكل مباشر أو عن طريق أكبر أبنائهم، على «هيئة البيعة السعودية»” المكلّفة بتثبيت اختيار أولياء العهد. وقد عاد وزير الداخلية السابق الأمير أحمد، آخر شقيق للملك الذي لا يزال على قيد الحياة، إلى الظهور في الأخبار مؤخراً بعد تورّطه في مشادة مع متظاهرين في لندن، ولكنّه لا يلعب أيّ دور واضح في سياسة القصر. أما الأخ الأصغر غير الشقيق للملك، الأمير مقرن، فيتميّز بسيرة ذاتية هائلة – من بينها عمله كطيار «إف 15»، وتعيينه أميراً لمنطقة (حائل)، ورئيساً للاستخبارات وولي العهد لفترة وجيزة – قبل إبعاده لأنّ الملك سلمان رآه محسوباً إلى حد كبير على الملك الراحل عبد الله. ومن المحتمل أن يكون واقع كوْن والدته عشيقة مؤسس المملكة ابن سعود وليست زوجته، قد أعاق أيضاً إمكانيات تسلّمه الخلافة.
أبناء الملك الراحل فيصل. تم إرسال حاكم مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل إلى تركيا هذا الشهر كمبعوث العاهل السعودي إلى الرئيس رجب طيب أردوغان. ولكن كونه في السابعة والسبعين من عمره، يُنظر إليه على أنّه مجرد مستشار، وليس مرشّحاً واقعياً لتولي العرش. وكان أخوه غير الشقيق الأمير تركي – الذي كان يشغل منصب رئيس الاستخبارات العامة وسفير سابق في واشنطن ولندن – المتحدّث غير الرسمي باسم الرياض في السنوات الأخيرة. ولم يتحدث بعد علانية عن الأزمة الحالية، على الرغم من (أو ربما بسبب) واقع توظيفه لخاشقجي كمستشار إعلامي خلال مهامه في الخارج. أما العضو البارز في هذه العشيرة الفرعية فقد كان وزير الخارجية المخضرم سعود الفيصل، الذي توفي عام 2015. وكان والدهم يحظى بالاحترام كملك، ولكنّه حصل على العرش بإخراج سلفه، واغتيل هو نفسه من قبل ابن أخيه. وقد شكّلت هاتان العمليتان الانتقاليتان صدمة للعائلة المالكة.
الأمراء الأصغر سناً. يشمل هؤلاء أبناء الملك سلمان أو الملوك السابقين وأولياء العهد. والأمير الوحيد البارز بينهم هو خالد بن سلمان، الشقيق الأصغر لمحمد بن سلمان، وطيّار «أف 15» سابق الذي تم تعيينه سفيراً لدى الولايات المتحدة في العام الماضي وهو في سنّ التاسعة والعشرين. وقد عاد حالياً إلى الرياض للتشاور. ومُنح بعض أبناء عمومته أدواراً من الدرجة الثانية في الوزارات والحكومات المحلية، بمن فيهم خالد بن بندر، نجل سفير السعودية السابق لدى واشنطن بندر بن سلطان، الذي يشغل حالياً منصب سفير بلاده لدى ألمانيا، التي عاد إليها مؤخراً بعد مشاكل دبلوماسية استمرّت عدة أشهر. وقد اعتُبرت هذه الخطوات على أنّها جهود لتعزيز النهج الشبابي الجديد للحكم الذي يتصوّره ولي العهد، وليس دليلاً على سلطة مستقبلية للمعيّنين.
إن (تداعيات) قضية خاشقجي قد أثارت التكهّنات بأنّ العائلة المالكة قد ترغب في تهميش محمد بن سلمان أو عزله بسبب أسلوبه الاستبدادي وتجاوزاته البارزة. بيد، لا يوجد حتى الآن دليل واضح على ذلك. ومن واقع الأحداث يبقى ولي العهد الشخص الذي يمثل مستقبل المملكة – ويعني ذلك أيضاً أنّه إذا خرج من المنافسة على العرش في أيّ وقت قريب، فسيسبّب ذلك فراغاً واضحاً. وكان يُعتقد في وقت ما أن احتمال حُكْم البلاد من قبل محمد بن سلمان لعقود من الزمن سيكون مصدر استقرار للمملكة، ولكنّ يبدو الآن أن هذا التصوّر سابقاً لأوانه.