“يبقى بشار الأسد رئيسًا، يحصل على مليارات الدولار لإعادة إعمار سوريا، سنوقف دعم مسلحي المعارضة لكن يبتعد عن إيران”.. ذلك عرضٌ خطيرٌ كُشف النقاب عنه مؤخرًا، قيل إنّ السعودية قدّمته إلى النظام السوري، رفضه “الأخير”.
في لقاء انتخابي خاص بالعاصمة اللبنانية بيروت مساء الاثنين الماضي، قال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله إنّ “لقاءً سعوديًّا – سوريًّا قد عُقد سرًا مؤخرًا في مكان ما، عرضت فيه الرياض مليارات الدولارات على الأسد مقابل قطع العلاقات مع إيران”.
وبحسب نصر الله، “طرح السعوديون على السوريين قطع علاقتهم بإيران والمقاومة في مقابل وقف دعم الإرهابيين (قاصدًا مسلحي المعارضة) في سوريا ودعم إعادة إعمارها”.
وأضاف: “هذا العرض قُدّم للسوريين مرتين في عهدَي عبد الله وسلمان، وهذا دليل على أن أصل المعركة هو استهداف المقاومة”.
نصر الله ذكر أيضًا أنّ “الملك السعودي السابق عبد الله (بن عبد العزيز) طلب شخصيًّا من تيار المستقبل وجماعة 14 آذار في أول جلسة انتخاب رئاسية قبل أكثر من عامين ونصف أن يتم انتخاب سمير جعجع، مضيفًا: “كان المطلوب سعوديًّا وأمريكيًّا ومن جماعة 14 آذار الذهاب إلى المواجهة مع حزب الله”.
وأشار إلى أنّ حزب الله ما يزال مستهدفا أمريكيًّا وسعوديًّا بسبب دوره الإقليمي، وقال: “نحن جزءٌ من محور صنع الانتصارات، ولن يتركنا الأمريكيون والسعوديون وإسرائيل، فهم غاضبون.. قوة حزب الله أصبحت أقوى وحاضرة، وهذا يعني أن العين انفتحت والاستهداف صار أكبر”.
حديث حزب الله الذي لم تصدر الرياض تعليقًا بشأنه، لم يكن الأول من نوعه، فبشار الأسد نفسه كان قد صرح في أكتوبر 2016، دبي، بأنّ “السعودية عرضت عليه المساعدة مقابل الابتعاد عن إيران مقابل المساعدة فيما تشهده سوريا“.
وأضاف في مقابلة مع صحيفة “كومسومولسكايا برافدا” الروسية: “قبل الأزمة، لم يكن ما قدموه عرضًا، بل أرادوا استخدام سوريا بشكل غير مباشر، لم يقدموا عرضًا بل أرادوا إقناعنا بفعل شيء ما، حين ذاك كانت القضية الرئيسية في كل العالم هي الملف النووي الإيراني، وكان المطلوب من سوريا إقناع إيران بالعمل ضد مصالحها حينها، فرنسا حاولت والسعودية أرادت منا أن نبتعد عن إيران دون مبرر فقط لأنهم يكرهونها”.
وقبل ساعات، نشرت مجلة “تايم” الأمريكية حوارًا مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، استبعد خلاله رحيل الأسد عن السلطة، كما دعا إلى أن يحافظ الجيش الأمريكي على تواجده في سوريا على المدى المتوسط.
وقال ولي العهد في المقابلة: “بشار باق في السلطة”، معربًا عن اعتقاده أنّه ليس من مصلحة رئيس النظام ترك الإيرانيين يفعلون ما يحلو لهم في سوريا.
وفي أغسطس من العام الماضي، وجّهت المملكة رسالة إلى المعارضة السورية، عنوانها إعداد صياغة جديدة بشأن مستقبل الأسد، وبالتالي طالما أنَّ موقف المعارضة يدعو إلى الإطاحة بالأسد بسبب “الجرائم في حق الشعب”، فإنَّ التوجه الجديد كان عنوانه – افتراضًا على الأقل – أن تتخلى المعارضة عن المطالبة برحيله.
في تلك الفترة، نقلت وكالة “أسوشييتد برس” عن مسؤول سعودي قوله إنَّ وزير خارجية المملكة عادل الجبير أبلغ المعارضة أنَّه حان الوقت لصوغ “رؤية جديدة”.
المسؤول أوضح: “الجبير لم يقل بصراحة إن بشار سيبقى، ولكن إذا ما قرأت بين السطور، عندما تقول إنَّ ثمة حاجة إلى رؤية جديدة، فما هي المسألة الأشد إثارة للنزاع؟ إنها ما إذا كان بشار سيبقى”.
في الشهر الثالث من الشهر نفسه، وخلال زيارة أجراها الجبير إلى مقر الهيئة العليا للمفاوضات في العاصمة الرياض، فإنّه استبعد خروج الأسد من السلطة في الوقت الحالي، مشيرًا إلى أنَّ الوقائع تؤكِّد أنه لم يعد ممكنًا خروجُه في بداية المرحلة الانتقالية، وأنَّه يجب بحث مدة بقائه في المرحلة الانتقالية وصلاحياته في تلك المرحلة
التسريب الذي أوردته قناة “الجسر” الفضائية المقربة من المعارضة جاء فيه: “الهيئة العليا للمفاوضات قالت إنَّ وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أبلغ رئيس الهيئة بضرورة الخروج برؤية جديدة للمعارضة تتماشى مع الوقائع على الأرض والوضع الدولي الجديد، وإن الجبير حذر من أنه في حال عدم وجود هذه الرؤية فإن الدول العظمى قد تبحث عن حل خارج المعارضة”.
ولأنَّ إعلانًا كهذا من شأنه أن يثير ضجةً في صفوف المعارضة التي اعتادت على الحصول على دعم كبير من قبل المملكة منذ اندلاع الثورة هناك، فسارعت الرياض لإصدار بيان بعد ذلك بأيام، أكَّدت فيه ثبات موقفها من الأزمة السورية وطريقة حلها بموجب إعلان “جنيف 1” وقرارات مجلس الأمن الدولي.
الآن بعد ثماني سنوات، “ما موقف الرياض” – المعلن والخفي- من الأزمة السورية؟”، هو سؤال مُلّح شغل بال كثيرين، لا سيمّا أنّ السعودية التزمت لفترات طويلة بدعم المعارضة المسلحة.
في معرض تعليقه على تصريحات نصر الله، يقول المحلل السوري محمد أرسلان إنّ هناك احتمالًا بأنّ هذه الاجتماعات قد عُقدت بالفعل، وبخاصةً أنّ الأزمة السورية وهي تدخل عامها الثامن فهي تمر بمرحلة ، ما يعني أنّ الهدف من الحرب الآن بات مختلفًا عن ذي قبل.
ويضيف في حديثه لـ”مصر العربية”: “معظم الدول الغربية التي كانت تساند المعارضة وكان هدفها إسقاط النظام، أصبحت تصرّح بشكل دوري بأنّه لا مشكلة لديها مع بقاء نظام بشار الأسد في الحكم، ويمكن لهذا الرئيس أن يشارك في الانتخابات المقبلة، على أساس أن تحدث بعض الإصلاحات في نظام الحكم، إلى جانب إشراك المعارضة”.
ويشير إلى أنّ العملية السياسية في سوريا تتجه صوب منحى آخر، في وقتٍ لا تزال فيها الحالة الإنسانية والميدانية صعبة، متوقعًا أن تخف شدة الأوضاع الإنسانية مع هذه التوجهات الجديدة، وكذلك بفعل الخلافات بين القوى الدولية والمنافسة بينها على مناطق النفوذ، وكذلك القوى الإقليمية، لا سيّما أنّ إيران وتركيا وقطر والسعودية لهم جميعًا دور كبير في الساحة السورية.
ويلفت إلى أنّه في أكتوبر من العام الماضي، أجرى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز زيارةً إلى روسيا، وهناك عقد لقاءات مهمة مع الرئيس فلاديمير بوتين، وتواردت معلومات بأنّ خادم الحرمين طلب من بوتين إيقاف الدعم للنظام السوري مقابل اتفاقات تجارية كبيرة، لا سيّما توقيع اتفاقيات شراء أسلحة روسية بمبالغ كبيرة جدًا، إلا أنّه يرجّح أنّ موسكو لم تقبل بهذا العرض، لأنّها تدرك جيدًا أنّ سوريا تمثل الجغرافيا الأخيرة لها منطقة حوض المتوسط، في محاولة لاستعادة هيبتها وقوتها كما كانت سابقًا.
ويوضح: “السعودية تحاول في هذه المرحلة أن تقوم بها هذا العمل، وليس من المستبعد أن تعقد بعض اللقاءات مع المسؤولين السوريين بشكل مباشر أو غير مباشر، من أجل إقناع دمشق بإعادة الإعمار والكف عن التدخل الداخلي ومثل هذه التنازلات، لكن بمقابل أن يقلل النظام علاقاته مع إيران، لا سيّما أنّ الخلاف بين الرياض وطهران كبير جدًا، ليس فقط في سوريا إنّما في اليمن، والحرب القائمة هناك استنزفت السعودية بشكل كبير جدًا، وكل محاولات المملكة في تخفيف الضغط اليمني لم تصل للنتيجة المرجوة.
ويشدّد على أنّ الصراع في سوريا هو صراع إقليمي ودولي، لا سيّما أنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب غيّر أهدافه في سوريا من إسقاط النظام إلى إخراج إيران من سوريا والعراق، وكذلك حزب الله اللبناني، ويلفت إلى أخبار مسربة توحي بأنّ هناك تحضيرات عسكرية ستكون ضد الوجود الشيعي في سوريا لا سيّما حزب الله وإيران، وذلك حفاظًا على الأمن الإسرائيلي.
ويتابع: “السعودية تحاول أن تخفّف من الوجود الشيعي الإيراني في سوريا من أجل لجم ما يسمى بمشروع الهلال الشيعي من التمدد وأن يصبح كأمر واقع، وبخاصةً أنّ إيران لديها دور فاعل في سوريا والعراق واليمن، وهو ما يجعل الرياض تسارع في هذا الدور على نحو كبير”.
“هل يمكن للنظام السوري أن يقبل بهذا العرض”.. سؤال طرحه أرسلان، وأجاب قائلًا: “هذا يتعلق بالمصالح بين الأطراف ذات النفوذ في المنطقة، لا سيّما أنّ العلاقات الإيرانية السورية هي علاقات تاريخية ممتدة من الأسد الأب وحتى الوقت الحاضر، وإيران صرحت كثيرًا بأنّه لولا مساندتها للنظام السوري لكان دمشق قد سقطت منذ بداية الأزمة، لكن تدخل الفصائل الشيعية على مختلف هوياتها أنقذ النظام السوري”.
ويؤكّد المحلل السوري: “الأسد لن يتخلى عن إيران لأنّها كانت لها سندًا كبيرًا في المنطقة، لكن هذا ليس ثابتًا في العرف الدبلوماسي، فالمصالح هي التي تحدّد هذا الخيار الصعب بالنسبة للنظام، مع الأخذ في الاعتبار إمكانية أن تضغط روسيا على النظام من أجل تحجيم الدور الإيراني، رغم أنهما متحالفان في الأساس من أجل تحقيق مصالحهما”.
يقود ذلك “أرسلان” ليعتبر الوضع في سوريا غير مستقر، ويقول: “كل التوزانات أو العلاقات غير ثابتة، وما هو موجود الآن ربما لن يكون موجودًا بالغد، فالتفاهم والتنسيق القائم بين روسيا وتركيا قد لا يستمر طويلًا، وكذلك التفاهم التركي الإيراني قد ينتهي، فكل طرف يبحث عن مصالحه ويتحالف مع الشيطان من أجل الوصول لأهدافهم”.
ويشدّد على أنّ المعيار الذي يمكن أن يغيّر هذه التحالفات يتمثل في “الوجود الميداني”، ويوضح: “الطرف الذي يتمكن من فرض سيطرته على الأرض فيكون له نفوذ كبير من أجل رسم خارطة المستقبل”.