الرئيسية / الاخبار / أخبار عامه / مقاطعة “قطر”.. والكذب على شرع الله!!بقلم: أ.د.إسماعيل علي

مقاطعة “قطر”.. والكذب على شرع الله!!بقلم: أ.د.إسماعيل علي

نشرت الوسائل الإعلامية المختلفة بيانات صادرة عن الأزهر ورابطة العالم الإسلاميّ، بالإضافة إلى تصريحات منسوبة إلى شخصيات محسوبة ـمنذ زمنـ على العلم والدعوة الإسلامية تؤيد قرار مقاطعةِ دولة “قطر”، وفرضِ الحصار الخانق عليها من قبل بعض البلدان الإسلامية والآسيوية، بزعامة السعودية والإمارات، وتبعية النظام الانقلابي في مصر، وتضفي على هذا القرار الأثيم صبغة شرعية.

ومن منطلق مسؤولية أهل العلم أنْ يبينوا للناس ولا يكتموا الحق؛ لزم أنْ أسجِّل هذه الكلمات تعليقا على تلك البيانات والتصريحات المؤيدة لمقاطعة بلد مسلم عربيّ، وخاصة بيان الأزهر، وذلك على النحو التالي:

أولا: إن المتأمل في بيان الأزهر يجد ـ للوهلة الأولى ـ أنه ليس بيانا علميا؛ إنما هو بيان من جهة سياسية أو مخابراتية أمنية، أو إحدى غرف العمليات التي تدير الحرب المعلَنة على قطر في عواصم الدول التي تتولى كبر المقاطعة والحصار.

وكأن الذي كتب بيان الأزهر هو نفسه مَن كتب بيان رابطة العالم الإسلامي الذي راح يؤيد قرار المقاطعة، ويؤكد على أنه إجراء “جاء وفق المقتضى الشرعيّ والقانونيّ والمنطقيّ تجاه الممارسات التي تستهدف أمن واستقرار الدول، من خلال إيواء ودعم المنظمات والجماعات الإرهابية” ـ كما زعم بيان رابطة العالم الإسلامي ـ.

ثانيا: البيان يتناول شأنا سياسيا بامتياز، التصدِّي له من اختصاصات وزارات الخارجية ونحوها، فأين المنادون بعدم تدخل المؤسسات الدينية في السياسة الآن؟!!

أم أنهم ينتهجون طريقة أهل الجاهلية التي حكاها القرآن الكريم في قول الله تعالى: {يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا} [التوبة: 37]، فيستدعون الدين ومؤسساته إلى مستنقع السياسة متى احتاجوا إلى تحريم حلال أو تحليل حرام، ويعزلونه عن ميدانها متى رأت أهواؤهم ذلك؟!

ثالثا: أمَا وقد سُمِح للأزهر والمؤسسات والشخصيات الدينية مثل رابطة العالم الإسلامي بالخوض في هذا الشأن السياسيّ؛ فقد كان الأجدر بهم أن يصح عزمهم، وتخلص نيّاتُهم، وتتوجه جهودهم نحو الإصلاح، والعمل على رأْب الصدْع، ورتْق الفَتْق، ولمّ الشمل، وتقوية الترابط بين البلدان الإسلامية.

أمّا أنْ يتحول الأزهر وغيره من المؤسسات الشرعية إلى بوق للشر، ومسعر للفتنة، بتبنيه موقف المقاطعة، وانحيازه إلى محور الشر المتمثل في الدول المقاطِعة والساعية في خنق بلد مسلم عربيّ، لا يستحق كلّ هذا الإمعان في الإيذاء والإضرار؛ فقد رضوا لأنفسهم أنْ يكون ممن يتعاونون على الإثم والعدوان، ويسعون في قطع ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض، وكل هذا قد حرّمه الشرع بنصوص صريحة مُحْكَمة في القرآن والسنة.

وكأن القائمين على تلك المؤسسات الدينية يصرون على جرّها إلى مستنقع الألاعيب السياسية القذرة، وقد كان الأجدر بهم أن يترفّعوا بها عن الخوض في لُجَج الخصومة السياسية الوضيعة، وأن يدخلوا ميدان السياسة مؤازين للحق، مناصرين للمظلومين.

رابعا: أشار بيان الأزهر وما يدور في فلكه من البيانات إلى أنّ “قطر” تأوي كيانات العنف والتطرف، وتتدخل في شئون الدول المجاورة واستقرارها، حيث جاء فيه:

“يتابع الأزهر الشريف عن كثب التطورات التي تشهدها الساحة العربية خلال الأيام الماضية، ويؤكد تأييده ودعمه للموقف العربي المشترك في قراره بمقاطعة الأنظمة التي تقوم بدعم الإرهاب، وتأوي كيانات العُنف وجماعات التطرف، وتتدخل بشكلٍ سافر في شؤون الدول المجاورة واستقرارها وأمن شعوبها”. والمعنى نفسه جاء في بيان رابطة العالم الإسلامي.

فهلا قدّم الأزهر والرابطة دليلا على هذا الادعاء؟ بالطبع لا يملكون عشر دليل. وإلا فمن أين لهم بهذا الاتهام؟!!
هل قاموا بتحقيق وتقصًّ للأمر، وتوصلوا إلى هذه الحيثيات في زمن قياسيّ؛ حيث صدرت البيانات عقب قرار المقاطعة مباشرة؟!

لقد كان الأجدر بالأزهر والرابطة أن يمتثلوا أمر الله تعالى في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6]. وبقوله سبحانه: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ } [الأنعام: 148]. وقوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ } [الحجرات: 12]. أليست البينة على من ادعى يا من تتكلمون باسم الشرع؟؟

إنّ “أحمد الطيب” يعرف جيدا مَن يرعى الإرهاب الأسود، ويعرف جيدا ـ بحكم دوره وضلوعه في الانقلاب العسكريّ على الرئيس الشرعي “مرسي” ـ مَن يتدخل في شئون الدول الأخرى لزعزعة استقرارها، وبَذْر بذور الفتنة في أرجائها، ويعرف على وجه التحديد دور الدول التي تتولى كبر المقاطعة الآن في تمويل وإدارة الفتن في بلاد الله .
.

خامسا: لقد تجاوز بيان الأزهر التأييد للمقاطعة الظالمة، إلى التحريض أكثر وأكثر على “قطر”، واستمرار الإمعان في الأذى والإضرار؛ حيث جاء في البيان:

“يتطلع الأزهر الشريف لمضاعفة جهود الأمة العربية لوقف المحاولات المغرضة التي تمارسها الأنظمة الشاردة، بما يشكل خطرًا على أمن الإقليم العربي واستقراره، آملًا أن تفيق هذه الأنظمة من غفلتها، وأن تعود إلى رشدها وإلى أهلها وبيتها”.

ألا يعرف كاتب البيان الأثيم مَن الذي يشكِّل خطرا على بلاد العروبة والإسلام؟؟؟

ماذا فعلت قطر حتى يشار إليها بهذه الاتهامات الرخيصة؟ هل موَّلت الانقلاب العسكريّ في مصر، وأنفقت الأموال على القتلة البغاة مثل ما فعلت الإمارات والسعودية؟ هل تقوم بتمويل ودعم “حفتر” في ليبيا لإعادة حكم المقبور “القذافي”، وزرع الفتنة فيها، كما تفعل الإمارات ونظام الانقلاب في مصر عيانا جهارا؟؟

هل تقوم بمساندة حركات التمرد في السودان عسكريا، لضرب استقراره وتفتيته، كما فعل نظام السيسي؟؟ من الذي يقوم بزعزعة استقرار البلدان العربية إذن؟؟ ألم أقل إن البيان لا علاقة له بالعلم؟!!

سادسا: إن الذي ندين به لرب العالمين أنّ دولة “قطر” ما كان منها إلا مؤازرة قضايا المسلمين العادلة, وفي مقدمتها قضية فلسطين، ومساندة أصحاب الحقوق المشروعة، والوقوف مع المظلومين والمضطهدين ـ حسبما تقتضيه المروءة ومكارم الأخلاق، وتبنّي المنهج السُنّي والفكر الوسطيّ، والدفاع عنه.

وما هذا التكتل الظالم ضدها إلا معاقبة لها من أنظمة موالية لأعداء الله، خاذلة وخائنة لقضايا الأمة العادلة، وراعية لمنظومة الاستبداد في بلاد العروبة والإسلام، ومحاولة لتركيع قطر لإجبارها على التطبيع مع الصهاينة، والرضا بكيانهم المغتصب، وإحكام الحصار على غزة، وحملها على ترك الملهوف من المسلمين دون إغاثة أو نجدة.

وأخيرا: يجب أن يعلم القاصي والداني أنّ هذه المقاطعة لدولة قطر وشعبها على هذا النحو الذي رأيناه؛ من قطع لشتى العلاقات معها، وغلق لقنوات الاتصال، ومنع لوصول الطعام والشراب والاحتياجات الضرورية عبر المنافذ البحرية والجوية والبرية، وطرد للمواطنين القطريين …؛ كل هذا ليس له ما يبرره شرعا ولا عرفا ولا قانونا، ولا يمت إلى الإسلام ولا المروءة بصلة. وإنه في ميزان الشرع ظلم وبغي وعدوان، وقطيعة رحم.

كما أنه ليس لمصلحة العرب والمسلمين، بل ولا لمصلحة الدول المقاطِعة نفسِها، وهو نذير فتنة هوجاء، تهدد الأمة الإسلامية في حاضرها ومستقبلها.

إنّ هذه المقاطعة الظالمة الأثيمة إنما هي امتداد لصنيع الجاهلية يوم قررت قريش بقيادة “أبي جهل” إعلان الحرب على بني هاشم، والتواصي بمقاطعة فاجرة، وانتهاج سياسة الحصار الاقتصادي والتجويع، والعقاب الجماعي الذي لا يستثني أحدا من بني هاشم، حتى يدفعوا إليهم برسول الله صلى الله عليه وسلم كي يقتلوه، وإلا فليواجهوا مصيرهم.

لكن الفارق الجوهري بين مقاطعة قريش الجاهلية ومقاطعة القرن العشرين؛ أنّ الأخيرة قد سَخّرت علماء سوء ومؤسسات شرعية لتسويغها، وإضفاء صبغة شرعية عليها، والحال أنها من جنس مقاطعة الجاهلية الأولى، والله بريء منها ورسولُه والمؤمنون.

وإنّ تلك البيانات والتصريحات التي تضفي على هذه المقاطعة الظالمة صبغة شرعية، هي بيانات تفتري على شرع الله، وتضلل العوامّ باسم الدين.

وصدق الله القائل: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} [النحل: 116]. ونلاحظ أنّ الكذب جاء في الآية ثلاث مرات .

فليتق اللهَ أولئك المتجرئون على دين الله وشرعه وأحكامه من علماء السوء الذين يفتون الناس بالباطل إرضاء للفسدة، واتباعا للأهواء!!

وحسبنا الله ونعم الوكيل.

شاهد أيضاً

الأمم المتحدة: الوضع في ليبيا غامض وقلقون بشأن المدنيين المحاصرين بمحيط طرابلس

أعربت الأمم المتحدة عن قلقها تجاه المدنيين المحاصرين في مناطق الاشتباكات بمحيط العاصمة الليبية طرابلس، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *