الرئيسية / المقالات / قراءة هادئة .. في وثيقة حماس بقلم : عزت النمر

قراءة هادئة .. في وثيقة حماس بقلم : عزت النمر

أثبتت وثيقة حماس الأخيرة حقيقة مفادها أن حركة المقاومة الإسلامية تمثل الحصن الأخير عند الشعب العربي الحر المهتم بالقضية الفلسطينية، وأضحت الأمل الباقي في الحفاظ على الحقوق التاريخية واسترجاع الأرض والعرض في قضية الأمة المركزية في فلسطين.

هذه النقطة بدت شديدة الوضوح بعد كل الجدل والضوضائية والزخم الإعلامي والشعبي الذي استحوذت عليه وثيقة حماس ومؤتمرها بالدوحة.

على الجانب الآخر أظهرت خفة الوزن التي يمثلها محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية وزيارته لواشنطن، وكذلك كشفت وزن مجموعة أوسلو في فتح في حاضرها الذي أضحى رقيقاً هذيلا.

المقارنات تجعلنا نستدعي كذلك تلك اللامبالاة التي ترافق ما اصطلح على تسميته زوراً “قمماً عربية”، والتي كان آخرها وأكثرها هواناً وازدراءً تلك التي عُقدت في البحر الميت، وفيها استجدت أنظمة الذل والهوان إسرائيل ووعودوها بتقديم تنازلات تاريخية من غير رد اسرائيلي أو اهتمام شعبي.

المؤتمر والوثيقة استحوذا على كثير من النقاش ـــ تأييداً ودعماً أو رفضاً ونقداًــ فاق أي متابعة أو اهتمام بأي حراك بارد لقادة دول الطوق أو رموز الأنظمة السياسية للدول العربية التي مازل البعض يسمها لاعتبارات تاريخية دولاً كبرى.

انطلاق وثيقة حماس الجديدة من مؤتمر يُعقد في الدوحة مع نافذة حية من غزة يلطم جنرالات العار في مصر سواء السيسي أو منظومة انقلابه ويطردهم من غير تأسف عن القضية التي يحاول السيسي المتاجرة بها ويسعى لتصفيتها طلباً لاستمرار دعم اسرائيل له.

حماس حاولت منذ الانقلاب أن تنأى بنفسها عن أحداث الداخل المصري رغم إضراره التام بقضيتها الرئيسية، إلا أن الأيام أثبتت أن السيسي يهرول بمنتهى العمالة لتصفية القضية الفلسطينية ويطرح أسوأ الحلول ربما بأسوأ مما تطرحه اسرائيل نفسها.

شماتة إعلام الخيانة والدجل المصري فيما أسموه تخلي حماس وفك ارتباطها عن إخوان مصر هو من قبيل المتاجرة بالهطل والسخافة التي يتمتع بهما الإنقلاب في مصر وأذرعه الإعلامية ليس غير.

الحديث عن فك الارتباط التنظيمي ما هو إلا تخفيف العبء عن إخوان مصر في ظرفهم الحالي بأكثر مما هو تخلي من الفرع في فلسطين عن الأم في مصر، ولربما كان هذا التصريح نابعاً من طلب من الجماعة سواء في مصر أو مكتبها في لندن، خاصةً مع التأكيد الحمساوي على الإعتزاز بالانتماء للمدرسة الإخوانية ولا أحد يتصور ارتباطاً تنظيمياً بينهما الآن في ظل الظرف الذي تمر به الحركة في مصر.

رغم الحضور السياسي والنوعي لحركة حماس في الواقع العربي، إلا أن الحركة استفادت من هذا المؤتمر وتلك الوثيقة حيث أعادت تقديم نفسها وإظهار الحركة على أنها الرقم الصعب في الواقع العربي، وأكدت على حقيقة كبرى أن حماس ليست غزة وأنها تحمل الهم الفلسطيني وتقوم بالواجب الوطني وتسعى للوفاء للقضية الفلسطينية من النهر الى البحر، حتى أنها خاطبت الشعب الفلسطيني كله سواء في الداخل الفلسطيني أو الشتات في الخارج.

لاشك أن توقيت إطلاق الوثيقة مهم وله دلالته، خاصة وأن الواقع ينذر بمؤامرات وخيانات يعج بها المحيط العربي ويتولى كبرها رموز العار في الانقلاب المصري ويباركها وينفق عليها خونة اقليميون في الخليج وغيره، والجميع يعلم أن وراء أكمة الأنظمة العربية ما وراءها من العمالة والخيانة والانبطاح، وليس يخفى حديث “صفقة القرن” في ثلاثية نجسة من صلف اسرائيل وكبرها وغباء ترامب وغطرسته ومذلة السيسي وانبطاحه وعمالته.

لا يخلو الأمر من غبار ودخان تُنبئ عنهما تسريبات وترتيبات يُعد لها منذ اليوم الأول للإنقلاب في مصر وبمشاركة إقليمية، إذ كان يٌنتظر الإعلان حول أسوأ حلول العار لتصفية القضية الفلسطينة؛ سواء بإقامة وطن بديل للفلسطينين في سيناء أو بالتوطين في حل الدولة الواحدة بإلحاق الضفة الغربية بالأردن وإضافة غزة لجزء أو كل سيناء وإقامة وطن بديل للفلسطينين.

في هذا التوقيت ووفق تلك المعطيات خرجت حركة حماس بوثيقتها لتنقل المدافعة عن كل فلسطين من البحر الى النهر، وتُعِيد التذكير بكل الثوابت الفلسطينية، وتؤكد أن المقاومة المسلحة حق أصيل وخيار استراتيجي لاسترداد كامل التراب الفلسطيني.

هذه اللغة الصريحة الواضحة إن أعجز الغباء بعض الأنظمة العربية العميلة عن فهم مرادها، فإنها لن تُعجِز إسرائيل عن قراءة رسائلها، خاصة وقد اعتادت على استيعاب وفهم الخطاب الحمساوي وفك شفرته.

لاشك أن إدراج حماس في وثيقتها الرئيسية القبول بدولة كاملة السيادة على حدود 4 يونيو 1967 أَقلَق كل أحباب حماس وكل غيور على الحق العربي الإسلامي في كامل فلسطين، غير أنه بالتدقيق في البند العشرين في الوثيقة يتأكد أنه قبول مشروط كصيغة توافقية وطنية فقط في العمل المشترك، دونما أي تفريط في أي من الثوابت الوطنية والمبادئ الأساسية في أعلى سقفها.

لاشك أن هذا البند تحديداً يؤكد حجم الضغوط التي تتعرض لها حركة حماس من أصدقاءها القليلين سواء في تركيا أو قطر، بيد أن الحركة أظهرت صموداً في مواجهة الضغوط والوقوف عند الثوابت يكافئ الصمود في الميدان وربما يتفوق عليه.

هذا البند المثير للجدل والإشفاق والتربص بالحركة ربما هو السبب الأهم لإصدار الوثيقة بهذا الشكل من الحضور الكثيف لكل قادة حماس في الداخل والخارج، وذلك للتأكيد على اجتماع الحركة جميعاً خلف الوثيقة بشكلها الجديد، ولعل توقيت إخراجها قبيل مغادرة خالد مشعل موقعه بأيام للاستفادة من كاريزما أبو الوليد، وحتى لا يقال أن الحركة غيرت جلدها بمجرد تغيير قادتها التاريخيين.

أعتقد أن وثيقة حماس وخطابها الجديد القديم ألقى الكرة بعيداً في ملعب الخصوم، وأفسد كثيراً من توافقات العار وترتيبات الخيانة، وهي خطوة لها ما بعدها سواء سماها البعض ذكاء سياسي أو مرونة اقتضاها الواقع أو حتى مراجعة في ظرف عصيب.

كما أتوقع أن تُعيد هذه الخطوة ترتيب الأوراق في المشهد السياسي بما قد يُفقِد بعض الدُمَى العربية قيمتها سواء السيسي في مصر أو بعض المراهقين في الخليج وملك الأردن.

حديث البعض بأن الوثيقة تمثل تراجعاً من حماس أو مقدمة لتنازلات مؤلمة أو خطوة على طريق الندامة الذي تنكبته فتح ومنظمة التحرير؛ أراه متشائماً يفتقد إلى الموضوعية والصواب خاصة وقد أستبقت حركة حماس قوتها على الأرض وفي الميدان.

ولمن يسرف في التشاؤم أقول : يحسب لحركة حماس أن غزة هي بقعة العز الوحيدة في عالمنا العربي البئيس التي يملك شعبها حق تقرير مصيره. أليس كذلك؟!.

ولحماس أقول : لستم وحدكم إنما ملايين من الأحرار خلفكم دعماً ومؤازرة واستعدادً للفداء والتضحية، لكن إياكم وسلاح المقاومة ..

عزكم وشرفكم ما استمسك السيف بأيديكم.

زادكم الله عزاً وشرفا.

 

شاهد أيضاً

ترزي القوانين وتعديلات دستور العسكر!! كتبه عزالدين الكومي

“فتحي سرور” الذي تجاوز الثمانين من عمره، تاريخه معروف،فهو أحد أعضاء التنظيم الطليعى الناصرى، وبعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *