الرئيسية / المقالات / سليم عزوز يتحدث عن دلالة حكم “شفيق”

سليم عزوز يتحدث عن دلالة حكم “شفيق”

في أي سياق يمكن قراءة الحكم القضائي بإلغاء قرار وضع المرشح الرئاسي السابق الفريق أحمد شفيق على قوائم ترقب الوصول؟.. وللدقة فإن المحكمة لم تلغ قراراً واحداً بل قرارين؟!.

لقد صدر هذا الحكم القضائي في أجواء صاخبة، بدت الأمور فيها تخرج من سيطرة عبد الفتاح السيسي، وأن دوائر الانقلاب غربياً وإقليمياً فقدت الحماس له، صحيح أن نجاح “ترامب” كان بمثابة قبلة الحياة لحكم عبد الفتاح السيسي، ولكن في المقابل فان قرار الكونجرس بتوقيع العقاب على كل من يساعد سورية، خفف من متعة هذه القبلة، لاسيما وأن السيسي، يرى أن استمرار بشار الأسد في الحكم يعني أنه مستمر، ولهذا فقد ذهب يتحالف مع كل حلفاء الرئيس السوري، ومن موسكو إلى طهران التي يتقرب إليها بالنوافل؛ ومن استقبال وفد من حزب الله، إلى استقبال وفد من الحوثيين، كما أنه يعتبرها أداة ابتزاز للعربية السعودية تحديدا!.

قياس الموقف الدولي من السيسي، يمكنه فهمه من تلتمس الحياة التي دبت فجأة في الدكتور محمد البرادعي، والذي جاء التعبير عنها بالمزيد من التغريدات، بعد أن كانت تمر شهور عدة بدون تغريدة واحدة. فقد شهدنا هذه الأيام إسهالاً منه غير مسبوق، وصل إلى حد تكراره لمعلومات سبق وأن كتبها، فالتغريدة (السبق من حيث عدد كلماتها)، لم تحتو على جديد، إلا فيما أنكره عليه غلمان تمرد، من عدم معرفته إلا متأخراً بأن الجيش غيب رئيس الدولة وفي ظهر يوم إعلان البيان العسكري. كما أن ما ذكره في تغريدة أخرى من أن جهة سيادية هددته بتدميره لرفضه فض الإعتصامات بالقوة لا تعد معلومة جديدة، فقد ذكرها في تغريدته طويلة التيلة، وعندما كتبت مقالي هنا تعليقاً على هذه التغريدة، فكرت في كتاب مقال آخر أقتحم فيه ما جاء فيها من نقاط، فلم يسمح المقال الأول إلا بالاهتمام بالشكل دون الولوج للموضوع، لكن شغلتنا عنها دعوة 11/11، وكان اهتمامي منصبا على هذه المعلومة الخاصة بتهديده من قبل جهة سيادية.

ويبدو أن البرادعي وجد أن هذا التهديد على خطورته لم يجد الاهتمام الكافي من المعلقين، فأعاد طرحه في التغريدة الجديدة، ولم يكن هناك جديد إلا قوله أنه لم يُعرض على أحد من القوى المدنية منصباً سياسياً في عهد مرسي، وهو بذلك أراد أن يضع حداً لكلام شائع ومسلم به وهو أن الرئيس محمد مرسي عرض عليه منصب رئيس الوزراء لكنه رفض. وفي تلميحه بأنه لم يعرض عليه شيء من هذا هو صادق، وعقب انتخاب الرئيس مرسي، وقد نُشرت تسريبات مقصودة تفيد بأنهم عرضوا عليه هذا المنصب لكنه اعتذر؛ مرة قيل لأنه رفض التعاون مع الإخوان، ومرة لأنه اشترط توسيع صلاحياته جوراً على صلاحيات رئيس الجمهورية، فقد انشغلت بالتوصل لصحة هذه الأخبار المتداولة بدوافع مهنية في المقام الأول، ووقفت على أنه لم يعرض عليه المنصب ابتداء، والصحيح أنه انتظر الاتصال به فلم يعريه أحد اهتماما.

وفي اعتقادي أن البرادعي ليس مدعواً من دوائر غربية لأي دور، لكنه ومنذ الثورة تمكنت منه شهوتين: شهوة الحكم، وشهوة الانتقام، الأولى زالت بعد أن قضى من السلطة وطراً بتنصيبه نائباً لرئيس الجمهورية في ولاية “المؤقت عدلي منصور”، ووجد أن كلفتها باهظة ومدمرة، ولا تزال شهوة الانتقام يمارسها هذه الأيام من قصف جبهة الانقلاب في مقتل، بعد أو وجد أن الظروف مواتية لتفريغ الشحنة المختزنة بداخله.

وهي ذاتها الظروف، التي صدر فيها الحكم بقبول طعن الأخوين مبارك في قضية القصور الرئاسية، كما صدر فيها وفي نفس اليوم حكم محكمة النقض بإعادة محاكمة الرئيس محمد مرسي وإخوانه في قضية اقتحام السجون، وفي اليوم التالي صدر حكم إلغاء قرار وضع اسم الفريق أحمد شفيق على قوائم ترقب الوصول!.

ليس عندي شك من أن هذه أحكام صادفت صحيح القانون، فحكم إدانة نجلي المخلوع في قضية القصور الرئاسية، وإن استندت على مستندات تدينهما، فإن هذا لم يكن يمنع أن السيسي كان حاضراً وراء الستار، فالإدانة كانت تمثل عتبة قانونية تحول دور ممارسة جمال مبارك بالذات لأي فعل سياسي، بمقتضى الإدانة، بعد أن خرج من السجن، وظهر في المجتمع كما لو كان يستعيد لياقته السياسية، وتم عقد اجتماع مع نواب سابقين بالحزب الوطني “المنحل” مع أحمد عز، والهدف السيطرة على البرلمان، ولأن جمال مبارك يقف وراء هذه الاجتماعات، فكان أن تم تأجيل الانتخابات، إلى حين التخلص من هذا الطرف المقلق بأحكام مانعة، ولتكون لهم رسالة!.

وإذا كانت محكمة النقض قد قضت بتأييد قرار محكمة الجنايات بإخلاء سبيل الأخوين مبارك، فهذا صحيح قانوناً لأن العقوبة تحسب من بداية حسبهما احتياطياً، ولو على ذمة قضايا أخرى، حصلا فيها على البراءة.

ولا ننسى أن دولة مبارك، بدت في الأيام الأخيرة تشعر بالملل من جراء سياسة عبد الفتاح السيسي، الذي أبعد الجميع، وبدا يدير الدولة وكأنها “محل بقالة”، شراكة بينه وبين سكرتيره عباس كامل، كما سيطر الجيش على كل الأنشطة، على نحو أخرج رجال أعمال مبارك، من “المولد بلا حمص”، وقد دعموا الانقلاب على الشرعية بأموالهم، في حين أن الحكم الذي انقلبوا عليه لم يحاصرهم في أرزاقهم، بل لم يجد حرجاً في أن تتسع طائرة الرئيس في سفره للخارج لبعضهم!.

وإذا كانت القوى السياسية الفاشلة، ومعهم بسطاء الناس، يرددون اسطوانة ومن البديل؟، وكاتبة يسارية سبق لها القول، فلنترك السيسي نسد به “الخرم “إلى أن نعثر على البديل، وفق المواصفات اليسارية بطبيعة الحال، فإن دولة مبارك لديها بدائلها، ومن القيادي السابق بالحزب الوطني “حسام بدراوي”، إلى الفريق أحمد شفيق صاحب التجربة المهمة بالنسبة لهم، فقد سقط في الانتخابات الرئاسية بفارق بسيط بينه وبين الدكتور محمد مرسي. فقد سقوط السيسي بالتالي لا يقلقها.

وقد استشعر السيسي هذا التململ فتقرب لرجال أعمال مبارك بالإجراءات الاقتصادية الأخيرة، ومنها تعويم الجنيه، وهى السياسات التي أيده فيها نجيب ساويرس، وقال مسؤول بصندوق النقد إن السلطة المصرية هي التي عرضت تعويم الجنيه، فلم يشترط عليها الصندوق ذلك وهو ما اعترف به رئيس وزراء السيسي. ومثل أيضاً قرار حرية تداول وانتقال العملة. ولهؤلاء وليس لأحد غيرهم كان حديث السيسي في مؤتمر شرم الشيخ، وللدقة أكاذيبه، عن أن الجيش لا ينافس القطاع الخاص، وأن حجم مشروعاته لا يتجاوز 1.5%، وأن حساباته مراقبة من قبل الجهاز المركزي للمحاسبات!، ثم الوعد بأن هذا لن يستمر طويلاً فخلال سنة ونصف السنة، سيترك الجيش هذه الأنشطة الاقتصادية ويتفرغ لمهامه الطبيعية!.

وإذ صدر حكم محكمة النقض بإعادة محاكمة الرئيس مرسي في قضية اقتحام السجون، فإننا إزاء حكم صدر متفقاً مع صحيح القانون، فليست هناك قضية من الأساس، وفتح السجون كانت سابقة، على إنشاء حزب للإخوان المسلمين برئاسة الدكتور محمد مرسي، وعلى إجراء انتخابات البرلمان بغرفتيه في ظل حكم العسكر وحصول الإخوان على الأغلبية فيها، وكانت أيضاً سابقة على انتخاب مرسي رئيساً، وتعيينه لعبد الفتاح السيسي وزيراً للدفاع بعد ترقيته رتبتين عسكريتين، وطوال هذه الفترة كان يتردد بقين أن وزير داخلية مبارك هو من أمر بفتح السجون، وقال مصطفي الفقي رئيس مكتب مبارك للمعلومات سابقاً، أنه قرار جمال مبارك!.

بيد أن السياق الذي صدر فيه الحكم له دلالته، مع الانتصار الشكلي في أول جلسة محاكمة قادمة للرئيس المختطف، عندما لا يظهر بملابس الإعدام الحمراء، والأمور فيها يجري الانتصار والهزيمة بالشكل ولغة الرموز، فبعد أن ظهر الرئيس شامخاً في أول جلسة محاكمة له ، مما أفقد الانقلاب اتزانه، كان كل تركيز دعاية الأذرع الإعلامية على أنه ارتدى بعد هذه الجلسة ملابس السجن البيضاء، حيث الحبس الاحتياطي، ويوم أن ظهر بالملابس السوداء، ثم الملابس الحمراء، كانت مناسبات عظيمة للاحتفال وإعلان الانتصار من قبل إعلام الانقلاب!.

ولا يمكن تجاهل الأجواء التي صدر فيها الحكم بإعادة محاكمة الرئيس وإخوانه، فقد كانت في أسبوع، تجلي فيه البرادعي بتغريداته، وبدأ بحضور المشير محمد حسين طنطاوي إلى ميدان التحرير، ولم يشأ أن ينتهي إلا وقد صدر حكم لصالح الفريق أحمد شفيق، تأخر كثيرا!.

بالقانون، فإن قرار وضع اسم الفريق شفيق على قوائم ترقب الوصول، تخلق في رحم البطلان، وينحدر إلى مرتبة الانعدام، ليكون هو والعدم سواء، فهو قرار سياسي لا قانوني، وتصرف جنرال لا إجراء قضائي، بعد أن حفظت كل البلاغات التي قدمت ضده، لعدم كفاية الأدلة على اتهامه بالفساد عندما كان وزيراً للطيران!.

وسياسيا، فالرجل سافر للإمارات هربا في عهد الرئيس محمد مرسي بعد تقديم بلاغات ضده تتهمه بالفساد، وفتحاً لجبهة صراع معه لم يكن لها ما يبررها، وقد أقر بالهزيمة وهنأ الدكتور مرسي بالفوز. وبعد الهروب شارك في المؤامرة على الرئيس المنتخب، فقد كان هو المؤهل للفوز بالرئاسة، فهناك قرار قضائي كتب يؤكد أنه الفائز في هذه الانتخابات، لكنه كان ضحية للسيسي، الذي اعتبره عدواً ورفض كل رسائله للعودة إلى مصر، ومنها رسالة أنه سيعود في مصفحة من المطار إلى بيته وذلك في يوم القضاء ببراءته، على نحو يوحي بأنه تجاوز شعبيته الانتخابية وبات خائفاً ولا يجد أمانه إلا في مصفحة يرسلها له وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي!.

السيسي صاحب السجل الحافل في الخيانة، لم يكن ليأمن له أبدا ، ولا يقبل هذه اللغة فهو ضالع في لغة العواطف الجياشة!.

ولم يكن أحمد شفيق، الموعود، أو المنتظر للرئاسة بعد الانقلاب سوى ضحية، من ضحايا السيسي، وهذا الأسبوع كان أسبوع الضحايا، الذي بدأ بالبرادعي الموعود بالرئاسة قبلاً، ثم برئاسة الحكومة مؤقتاً، إلى المشير محمد حسين طنطاوي الذي أطاح به السيسي بوشاية لمرسي في بداية توليه الرئاسة بأنه ومعه سامي عنان يتأمرون عليه، فأطاح بهما!.

مرورا بالرئيس محمد مرسي، الذي بالغ السيسي في التقرب له زلفى، وأدخل عليه الغش والتدليس حتى وثق به ثقة عمياء!.

ومرورا كذلك بجمال مبارك، الذي يرى أن ترتيب دخوله السجن في البدء كان انتقاما منه على اهاناته المتكررة لطنطاوي، وأن إدانته في الأخير تمت من السيسي لوقف نموه السياسي، ولو أقسمت لأنصار مبارك على الماء فتجمد ثم قلت لهم أن ثورة يناير ليست انقلاباً عسكرياً على مبارك فلن يصدقوا، لهذا تجد من بينهم من يهاجم السيسي بعنف لم يفعله كثير من أنصار الشرعية.

لا يعني أن حكم رفع أحمد شفيق من قوائم ترقب الوصول أن الطريق بات ممهدا له للعودة للقاهرة، فالحكم لا يعني أنه في الأمان، وقد يتقدم أحد المحامين مدفوعاً بأمر من الجهات الأمنية ببلاغ ضده فيجد نفسه في السجن في اليوم التالي، لكن مهما يكن فنحن أمام أطراف لا يجمع بينها سوى أنهم ضحايا السيسي ومؤامراته، وقد جمعتهم الظروف المواتية ليشكلوا حبلاً يلتف حول رقبة حكمه، في أسبوع بدا فيه كبيت العنكبوت.

شاهد أيضاً

ترزي القوانين وتعديلات دستور العسكر!! كتبه عزالدين الكومي

“فتحي سرور” الذي تجاوز الثمانين من عمره، تاريخه معروف،فهو أحد أعضاء التنظيم الطليعى الناصرى، وبعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *