الرئيسية / الاخبار / أخبار عامه / عمر المختار.. جهاد يطيل العمر وسيف يذل الأعداء

عمر المختار.. جهاد يطيل العمر وسيف يذل الأعداء

لا يمر عام من الأعوام الخامسة والثمانين المنصرمة في ذكرى استشهاد شيخ المجاهدين عمر المختار أسد الصحراء، الذي تم إعدامه في 16 سبتمبر من عام 1931، إلا وتتجدد فيه مقولته ضد الظلم والاحتلال والطاغوت: “ستكون حياتي أطول من حياة شانقي” ليثبت بهذه النبوءة أن خير ما يطيل به المسلم عمره هو جهاد في سبيل الله.

ولعل عمر المختار أحد الذين أفنوا حياتهم في العصر الحديث بالجهاد ضد الحملات الصليبية المنظمة على دول العالم الإسلامي، والتي كان أحدها في ليبيبا عن طريق الطاغوت الإيطالي الذي أذاق المسلمين في هذه البلاد العذاب صنوفا وألوانا، حتى لقب المختار بشيخ المجاهدين والقائد العربي المسلم، وأحد شهداء الحرية، الذي ضرب المثل الأعلى في صموده وثباته ومقاومته حتى آخر أيام حياته، حيث جاهد الغزاة الإيطاليين أكثر من عشرين عاما، بلا مهادنة، في أكثر من ألف معركة منذ دخولهم أرض ليبيا إلى يوم اعتقاله.

ولد عمر المختار عام 1862، وتم إعدامه من قبل الاحتلال الإيطالي يوم 16 سبتمبر 1931.

أبوه: المختار بن عمر بن فرحات. وأمه: عائشة بنت محارب.

كان أبوه من بيت غيث من قبيلة بريدان، وهي بطن من قبيلة المنفة، وهي إحدى كبريات قبائل المرابطين ببرقة.

* ولد عمر المختار في قرية جنزور بمنطقة دفنة، التي تقع في الجهات الشرقية من برقة التي تقع شرقي ليبيا على الحدود المصرية. وتربى يتيما، حيث وافت المنية والده مختار بن عمر وهو في طريقه إلى مكة المكرمة بصحبة زوجته عائشة.

تلقى تعليمه الأول في زاوية جنزور، ثم سافر إلى الجغبوب القرآنية حيث قضى بها 8 سنوات استطاع بلباقته ومهارته اكتساب ثقة معلميه، مما ساعد على انتقاله إلى الكفرة وأسند إليه منصب شيخ زاوية القصور بها عندما بلغ من العمر 40 عاماً.

تعلم بالكفرة على يد كبار علماء ومشايخ السنوسية في مقدمتهم الإمام السيد المهدي السنوسى قطب الحركة السنوسية، فدرس اللغة العربية والعلوم الشرعية وحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، ولكنه لم يكمل تعليمه كما تمنى.

تزوج المختار من ثلاث زوجات في حياته، كانت الزوجة الأولى من أقاربه المنفه توفيت بعد سنوات قليلة من اقترانه بها، أما الثانية فقد كانت ابنة أحد أعيان البلاد، والزوجة الأخيرة فقد كانت ابنة أحد المجاهدين توفيت خلال معركة وقعت ما بين المجاهدين بقيادة عمر المختار والقوات الإيطالية عام 1927م.

نبوغ وموهبة
ظهرت على البطل الأسطورة عمر المختار علامات النبوغ ورزانة العقل، فاستحوذ على اهتمام ورعاية أستاذه السيد المهدي السنوسى مما زاده رفعة وسمو، فتناولته الألسن بالثناء بين العلماء ومشايخ القبائل وأعيان المدن حتى قال فيه السيد المهدي واصفاً إياه “ لو كان عندنا عشرة مثل عمر المختار لاكتفينا بهم”.

وقد وهبه الله تعالى ملكات منها جشاشة صوته البدوي وعذوبة لسانه واختياره للألفاظ المؤثرة في فن المخاطبة وجاذبية ساحرة لدرجة السيطرة على مستمعيه وشد انتباههم.

كما امتاز عمر المختار بذكاء متوقد حاضر البديهة، بالإضافة إلي أنه كان مثقف واسع الاطلاع خاصة في الأمور الدينية.

وكان المختار نقياً ورعاً عاش فقيراً طيلة حياته، فمنذ عام 1922م، إلى أن تم القبض عليه بقي على الجبل يقضي معظم أيام حياته في التخطيط والتنظيم للهجمات الشرسة، التي كان يقودها ضد جنود الحاميات العسكرية الإيطالية .

جهاد لا ينقطع
عاش عمر المختار حرب التحرير والجهاد منذ بدايتها يوماً بيوم, فعندما أعلنت إيطاليا الحرب على تركيا في 29 سبتمبر 1911م, وبدأت البارجات الحربية بصب قذائفها على مدن الساحل الليبي, درنة وطرابلس ثم طبرق وبنغازي والخمس, وكان عمر المختار في تلك الأثناء مقيما في جالو بعد عودته من الكفرة، حيث قابل السيد أحمد الشريف, وعندما علم بالغزو الإيطالي سارع إلى مراكز تجمع المجاهدين، حيث ساهم في تأسيس دور بنينه وتنظيم حركة الجهاد والمقاومة إلى أن وصل السيد أحمد الشريف قادماً من الكفرة.

وبعد الانقلاب الفاشي في إيطاليا في أكتوبر 1922, وبعد الانتصار الذي تحقق في تلك الحرب إلى الجانب الذي انضمت إليه إيطاليا. تغيرت الأوضاع داخل ليبيا واشتدت الضغوط على السيد محمد إدريس السنوسي, واضطر إلى ترك البلاد عاهداً بالأعمال العسكرية والسياسية إلى عمر المختار.

وبعدما تأكد للمختار النوايا الإيطالية في العدوان سافر إلي مصر عام 1923م؛ للتشاور مع السيد إدريس فيما يتعلق بأمر البلاد, وبعد عودته نظم أدوار المجاهدين, فجعل حسين الجويفي على دور البراعصة ويوسف بورحيل المسماري على دور العبيدات والفضيل بوعمر على دور الحاسة, وتولى هو القيادة العامة.

استطاع عمر المختار قيادة المجاهدين لمدة 15عام ببراعة ضد القوات الإيطالية، فقد كان العقل المفكر للمجاهدين في برقة ، حيث قام بحشد وتدريب بالإضافة إلى تنظيم وقيادة المجاهدين بكل مهارة ورباطة جأش وعزيمة قوية لم تعرف الاستسلام في مقاومة القوات الإيطالية الفاشستية المجهزة بمختلف الأسلحة المتطورة، وجعل قادتها العسكر يشعرون بالخيبة والفشل بعد كل معركة يخوضها ضدهم.

وكان المختار من أنشط المجاهدين ضد القوات الإيطالية بعد أن احتلت إيطاليا بنغازي، حيث كان يقوم بحث القبائل العربية علي الجهاد وتدريب رجالها على السلاح، بالإضافة إلى أنه كان قد رفض عقد أية اتفاقيات من شأنها الخضوع للحكومة الإيطالية.

كما حاول في يونيه عام 1922م تكوين تحالف إسلامي مع الزعماء الوطنيين بإقليم طرابلس من أجل محاربة القوات الإيطالية .

واصل المختار الحرب ضد القوات الإيطالية بالرغم من قلة المؤن والعتاد، بالإضافة إلى هروب الكثير من الشخصيات المرموقة إلى مصر وغيرها إلى البلدان المجاورة.

ونتيجة صمود المختار والمجاهدين معه عمدت إيطاليا إلي كل الحيل الممكنة للقضاء عليه، ولذا عملت علي تعيين غرسياني وهو أكثر جنرالات الجيش وحشية ودموية، ليقوم بدوره بتنفيذ خطة إفناء وإبادة لم يسبق لها مثيل في التاريخ في وحشيتها وفظاعتها وعنفها.

وفي معركة السانية في شهر أكتوبر عام 1930م سقطت من الشيخ عمر المختار نظارته، وعندما وجدها أحد جنود الطليان وأوصلها لقيادته، فرائها غراتسياني فقال: “الآن أصبحت لدينا النظارة، وسيتبعها الرأس يوماً ما”.

وقد حالفه الحظ بالفعل يوم سقوط عمر المختار، والذي لم يصدقه أثناء وجوده في إيطاليا، حتى صمم علي رؤيته بعينه يوم القبض عليه عندما عاد إلي ليبيا.

مواقف مشهودة
حاولت إيطاليا بواسطة عملائها الاتصال به وعرضت عليه بأنَّها سوف تقدّم له المساعدة إذا ما تعهَّد ملازمة بيته تحت رعايتها، وأنَّ حكومة روما مستعدَّة بأن تجعل منه الشخصية الأولى في ليبيا كلّها، وإذا ما أراد البقاء في مصر فما عليه إلا أن يتعهّد بأن يكون لاجئاً ويقطع علاقته بإدريس السنوسي، وفي هذه الحالة تتعهَّد حكومة روما بأن توفِّر له راتباً ضخماً، وهي على استعداد أن يكون الاتفاق بصورةٍ سرّية وتوفير الضمانات له. كما طلبت منه نصح الأهالي بالإقلاع عن فكرة القيام في وجه إيطاليا.

ولكنه رفض كل هذه الإغراءات من أجل الجهاد والوقوف في وجه المعتدين وخروجهم من بلده ليبيا.

وقد أكَّد المختار هذا الاتصال لمَّا سئل عن ذلك، وقال: ”ثقوا أنّني لم أكن لقمةًَ طائبة يسهل بلعها على من يريد، ومهما حاول أحد أن يغيِّر من عقيدتي ورأي واتجاهي، فإنَّ الله سيخيّبه .. ولست من المغرورين الذين يركبون رؤوسهم ويدّعون أنّهم يستطيعون أن ينصحوا الأهالي بالاستسلام، إنّني أعيذ نفسي من أن أكون في يومٍ من الأيام مطيَّة للعدوِّ وأذنابه فأدعو الأهالي بعدم الحرب ضدَّ الطليان”.

وموقف آخر يشهد له بالشجاعة والإصرار على الجهاد ضد الأعداء دون الالتفات إلي ما يقوله الآخرون، فعندما خرج من مصر عام 1923 م قاصداً برقة لمواصلة الجهاد، اجتمع به مشايخ قبيلته الموجودون بمصر من المتقدمين في السن، وحاولوا أن يثنوه عن عزمه بدعوى أنَّه قد بلغ من الكبر عتيّا وأنَّ الراحة والهدوء ألزم له من أيّ شيءٍ آخر وأنَّ باستطاعة السنوسية أن تجد قائداً غيره لتزعّم حركة الجهاد في برقة، فغضب عمر المختار غضباً شديداً وكان جوابه قاطعاً حيث قال لمحدّثيه: ”إنَّ كلَّ من يقول لي هذا الكلام لا يريد خيراً لي؛ لأنَّ ما أسير فيه إنَّما هو طريق خير، ولا ينبغي لأحدٍ أن ينهاني عن سلوكها، وكلّ من يحاول ذلك فهو عدوٌّ لي “.

أما صبره فيدل عليه هذا الموقف، حيث أنه وبعد أن ضيق العدو الإيطالي الخناق على المجاهدين في برقة، بعث برسالة إلى أحد أصدقائه في مكَّة، كما أوردها د. رفعت عبد العزيز في كتابه “عمر المختار من خلال الوثائق الإيطالية”، جاء فيها:

”إنّ المجاهدين يعانون من نقصٍ في كلِّ شيءٍ ضروري للحرب، ضدَّ عدوٍّ يمتلك كلَّ شيءٍ حتى الطائرات، وإنَّه لكي يقاوم المجاهدون فإنّهم لا يملكون إلا صبرهم”.

ورغم تلك الظروف البالغة الصعوبة فقد أصرَّ عمر المختار على البقاء في أرض الوطن وعدم مغادرته وكان يقول: ”لا أغادر هذا الوطن حتى ألاقي وجه ربّي والموت أقرب إليَّ من كلِّ شيءٍ فإنّي أترقّبه بالدقيقة”.

كما أنه كان كثير الدعاء إلى الله سبحانه وتعالى: ”اللهم اجعلْ موتي في سبيل هذه القضية المباركة”.

نهاية بطولية
تم اعتقال عمر المختار في 11 سبتمبر من عام 1931م، بعد مناوشة بالذخيرة الحية حدثت ما بين المجاهدين تحت قيادته وسرية الصوراي الإيطالية للفرسان التي كان أغلبية جنودها من الليبيين.

وكانت الحاميات الإيطالية قد عرفت بمكانه فأرسلت قوات لحصاره ولحقها تعزيزات، واشتبك الفريقين في وادي بوطاقة، ورجحت الكفة للعدو فأمر عمر المختار بفك الطوق والتفرق، ولكن أصيب حصان عمر المختار بطلقة نارية فوقع على الأرض وعلى ظهره عمر المختار الذي أصيب بجرح بسيط، مما أدى إلى محاصرته بجميع جنود السرية بعد أن تعذر على أتباعه مساعدته على النهوض، مما جعله يحاول الاختباء تحت إحدى الشجيرات، حيث لم يبق طويلا حتى تعرف عليه أحد الليبيين الذي كان من بين جنود سرية الصوراي الإيطالية، حيث أخذ يصيح بأعلى صوته منادياً بقية الجنود قائلا “عمر.. عمر المختار أسرعوا”.

مما جعل ضابط السرية يصدر أوامره لجميع الجنود بمحاصرة الجريح من أجل اتخاذ الاستعدادات السريعة لنقله إلى مقر القوات الإيطالية في سوسة.

وقد صادف وقتها أن كان غراتسياني في روما، ولم يصدق غراتسياني سقوط عمر المختار تحت أيديهم في بادئ الأمر، وكان غراتسياني وقتها كئيباً حزيناً منهار الأعصاب في طريقه إلي باريس للاستجمام والراحة؛ هرباً من الساحة بعد فشله في القضاء على المجاهدين في برقة، وكانت الأقلام اللاذعة في إيطاليا بدأت تنال منه والانتقادات المرة تأتيه من رفاقه مشككة في مقدرته على إدارة الصراع.

وإذا بالقدر يلعب دوره ويتلقى برقية مستعجلة من بنغازي مفادها أن عمر المختار وراء القضبان. فأصيب غراتسياني بحالة هستيرية كاد لا يصدق الخبر.

فتارة يجلس على مقعده وتارة يقوم، وأخرى يخرج متمشياً على قدميه محدثاً نفسه بصوت عال، ويشير بيديه ويقول: “صحيح قبضوا على عمر المختار؟ ويرد على نفسه لا، لا اعتقد.” ولم يسترح باله فقرر إلغاء أجازته واستقل طائرة خاصة وهبط ببنغازي في نفس اليوم وطلب إحضار عمر المختار إلي مكتبه لكي يراه.

وصل غرسياني إلى بنغازي يوم 14 سبتمبر , وأعلن عن انعقاد ”المحكمة الخاصة” يوم 15 سبتمبر 1931م, وفي صباح ذلك اليوم وقبل المحاكمة رغب غرسياني، كما قال فى كتابه (برقة المهدأة) في الحديث مع عمر المختار:

وقال : “عندما حضر أمام مكتبي تهيأ لي أن أرى فيه شخصية آلاف المرابطين الذين التقيت بهم أثناء قيامي بالحروب الصحراوية. يداه مكبلتان بالسلاسل, رغم الكسور والجروح التي أصيب بها أثناء المعركة, وكان وجهه مضغوطا؛ لأنه كان مغطيا رأسه (بالجرد) ويجر نفسه بصعوبة؛ نظراً لتعبه أثناء السفر بالبحر,وبالإجمال يخيل لي أن الذي يقف أمامي رجل ليس كالرجال له منظره وهيبته رغم أنه يشعر بمرارة الأسر, ها هو واقف أمام مكتبي نسأله ويجيب بصوت هادئ وواضح.”

وفي فجر يوم الإعدام عندما سمع عمر المؤذن ينادي المسلمين لأداء الصلاة، قام من نومه وتوجه نحو القبلة وأدى الصلاة.

وكان تحدد مصير عمر المختار قد تحدد يوم 15/9/1931 في صالون بالاس ليتوريا بمدينة بنغازي، حيث تم إجراء محاكمة صورية له تم فيها الحكم عليه بالإعدام شنقاً حتى الموت وفي صباح يوم 16/9/1931 كما يورد غراتسياني في كتابه “برقة المهدأة” بقوله: “عند الساعة التاسعة صباحا بالضبط من يوم 16/9/1931وبحضور جميع أعيان القبائل البرقاوية في المعسكرات القريبة من بنغازي تم تنفيذ حكم الإعدام شنقاً في عمر المختار زعيم الثوار المتمردين”.

وكان قول “إنا لله وإنا إليه راجعون” آخر ما ردد عمر المختار عندما وقف على منصة المشنقة.

شاهد أيضاً

الأمم المتحدة: الوضع في ليبيا غامض وقلقون بشأن المدنيين المحاصرين بمحيط طرابلس

أعربت الأمم المتحدة عن قلقها تجاه المدنيين المحاصرين في مناطق الاشتباكات بمحيط العاصمة الليبية طرابلس، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *