الرئيسية / المقالات / “حضن الرجل الباكي بقلم: المعتقل “معتز شاهين”

“حضن الرجل الباكي بقلم: المعتقل “معتز شاهين”

كان دائما ما يجلس أمام باب دكان أبيه المتواضع بلا حراك يتابع أقرانه الصغار وهم يلعبون ويتسامرون ؟ وذات يوم بينما هو كذلك إذا بمجموعة من الصغار يلتفون من حوله ويقذفونه بالحجارة ويفروا سراعاً هاربين ؟ ليبدأ هو في الصراخ والبكاء .
أسرعت تناديه باسمه من نافذة مجاورة لباب الدكان فأسرع يدلف إلي الداخل باكياً ليقف أمامهما وهي جالسه ، وضعت كلتا يديه الصغيرتين في كفها وجذبته برفق نحوها ونظرت لعينيه الباكيتين مباشرة قائلة ،،
– مايبكيك ؟!
– بادرها مجيبا ،ألقوني بالحجارة ؟ ولم أفعل لهم شئ ! ً .
– قالت في حزم حاني ، وهي تمسح دموعه المتساقطة .. أنت رجل ، والرجال لا يبكون !
– رد عليها بطفولية تلقائية .. لم أستطع الاحتمال وأردت البكاء ، فماذا أفعل ؟!
– أسرعت تضمه إلي صدرها مجيبة إياه .. كلما أردت البكاء تعالي إلي حضني ، فلن يراك أحد !
حينها بدأ نشيج بكاءه يهبط تدريجياً حتي هدأ تماماً كإعلان منه عن موافقته علي هذا الأتفاق الضمني بينهما ، فكان كلما أراد البكاء أسرع ليختفي في حضنها ، وحتي حينما كبر قليلاً كان قد إعتاد أن لا يبكي أبداً إلا وضع خده علي صدرها يستمع لدقات قلبها !
وذات يوم بينما هو نائم استقيظ فجأة علي أصوات صراخ وبكاء لأناس لم يتعرف علي معظمهم قد ملأوا البيت عليه بكاء ، أحس أنه يريد البكاء علي بكائهم فأسرع يريد حضنها ليبكي فيه بعيداً عن عيونهم فهو رجل كما قالت له !
أسرع إليها ليجدها كما كانت دوماً في أخر الأيام علي سريرها مستلقية مستسلمة ؟ ولكنها كانت هذه المرة مغمضة العين ! إقترب منها ليحتضنها ويسمع دقات قلبها ويبكي في أمان ، ولكن علي غير عادتها لم تتلقاه فاتحة يديها كما كانت تفعل دوما ؟ لم يعر للأمر انتباه وأسرع يضع خده علي صدرها الذي بدا له لأول مرة كلوح ثلج بارد ، أغمض عينيه محاولاً الإنصات لدقات قلبها طالما ألفها ، ولكن لم يكن هناك سوى سكون “مميت” .
أخذ من حوله يحوقلون ويرددون أن ( عقله قد خف ) حين علم بموتها ، فصرخ فيهم يقول ..
– اصمتوا.. دعوني معها فأنا أريد البكاء !
أخذوا يجذبونه وهم يبكون ، بينما هو لم يعر لصيحاتهم اهتمام وأخذ يتشبث بها أكثر و أكثر قائلاً مسترجياً إياهم ..
– دعوني معها أريد البكاء ولو عليها .
لم يفق من صدمته إلا وهو يقف وسط جموع المشيعين علي المقابر يتلقى عزاءها ، ومن وقتها ارتسمت على وجهه ملامح الجمود ، فصار يجلس أمام باب الدكان كتمثال لا حياة فيه ، وكأنها أخذت روحه معها يوم رحلت ! وكان دائماً يقول لمن يعزيه على ما وصل له حاله ..
– ليتكم تركتموني معها حتي أبكي ، لا عليها بل على حالي !
وفي يوم وبينما الناس يروحون ويغدون من حوله ، إذا وجدوا رأسه قد مالت على صدره ، وارتخت يداه ، ومن بين عينيه تساقطت دمعات كانت قد ضلت الطريق إليهما منذ زمن ، حينها أدركوا أنه رحل ليسمع دقات قلب أمه !!
رحمك الله يا “أمي” في جنة الخلد مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين بإذن المولي عز وجل
معتز مصطفي شاهين
سجن برج العرب

 

شاهد أيضاً

ترزي القوانين وتعديلات دستور العسكر!! كتبه عزالدين الكومي

“فتحي سرور” الذي تجاوز الثمانين من عمره، تاريخه معروف،فهو أحد أعضاء التنظيم الطليعى الناصرى، وبعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *