“إن ما بعد تظاهرات العودة الكبرى على حدود غزة كشفت عن عبثية ويأس المقاومة الفلسطينية وحصانة الجيش الإسرائيلي النسبية عندما يأخذ أرواح الفلسطينيين” بهذه الكلمات وصف إيشان ثارور الكاتب في صحيفة “واشنطن بوست” الأحداث الأخيرة التي راح ضحيتها 17 فلسطينيًا إلى جانب مئات الجرحى .
فقد اجتمع حوالي 30 ألف فلسطيني على الجدار العازل بين غزة وإسرائيل للاحتجاج على الحصار الخانق المفروض عليهم منذ سنوات وتشريد الاحتلال الإسرائيلي لآبائهم وأجدادهم. وكما في كل التظاهرات التي تجري في الضفة الغربية وقطاع غزة فمعظم المشاركين فيها عزل من السلاح وكانت سلمية، فقد جلست العائلات تتنزه في ظل الجدار ورفعت العلم الفلسطيني إلا أن هذه التظاهرة على خلاف تظاهرات سابقة انتهت بالدموع، كما يقول إيشان ثارور.
لم تكن سوى تظاهرة، والمناسبة قديمة متجددة، ذكرى “يوم الأرض” الذي يوافق 30 مارس من كل عام.
ففي نهاية الأسبوع الماضي دفن الفلسطينيين شهدائهم تحت سمع وبصر العالم أجمع الذي أدان استهداف الاحتلال للمتظاهرين العزل بالرصاص الحي .. لم تكن سوى تظاهرة، والمناسبة قديمة متجددة، ذكرى “يوم الأرض” الذي يوافق 30 مارس من كل عام.
الذخيرة الحية
ونقلت الصحيفة عن فايق الصباح “أخذت أحفادي وذهبنا في تظاهرة سلمية وذهبنا للتأكيد على أن هذه هي أرضنا وما وجدناه كان مختلفاً”.
وتقول السلطات الإسرائيلية أنها فتحت النار لأن بعض المتظاهرين اقتربوا من السياج حيث حرقوا عجلات السيارات ورموا بالحجارة وقنابل المولوتوف إلا أن الصور التي التقطت والفيديو تظهر أن الجنود الإسرائيليين استهدفوا المتظاهرين العزل بل والذين هربوا وأداروا ظهورهم للجنود الذين قتلوا على يد قناصة الجيش الإسرائيلي عن بعد.
وكان من بينهم بدر الصباغ، 20 عاماً وهو ابن فايق الذي قتل بعد دقائق من وصوله إلى التظاهرة لمراقبة ما يجري.
ويقول شقيقه للصحيفة: “طلب سيجارة، أعطيته واحدة وأخذ منها نفسين ليصاب برصاصة في رأسه”.
إسرائيل محصَّنة
الصحيفة الأمريكية وصفت هذه المجزرة، بقلم أحد كتّابها في تحليل موضوعي، بأنها “أسوأ أيام غزة عنفاً منذ حرب عام 2014 بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والجيش الإسرائيلي، والتي قُتل فيها -حسب تصريحات الأمم المتحدة- ما لا يقل عن 1462 مدنياً من الفلسطينيين.
و”كشفت المظاهرات التي اجتاحت العالم بعد ذلك، إلى مدى يتحرك بؤس الصراع الفلسطيني، والحصانة النسبية لإسرائيل ضد المحاسبة، ما يجعلها تتمادى في القضاء على حياة الفلسطينيين”.
وتعجب المحلل في مقاله، من أن بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الحكومة الإسرائيلية اليمينية، لم يبدِ أي تعاطف أو ندم على ما حدث؛ إذ قال نتنياهو: “إن إسرائيل تعمل بحزم وتصميم على حماية سيادتها وأمن مواطنيها”. أما وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، فقد اعترض على المناشدات العالمية لإجراء تحقيق فيما حدث، وقال: “ليس هناك ما يدعولإجراء تحقيق في الحادث”، مضيفاً أن الجنود الإسرائيليين الذين يحرسون السياج “يستحقون الثناء”.
وفاخر جيش الاحتلال الإسرائيلي يوم السبت بأن قواته سيطرت على الوضع، وحتى عدد القنابل التي أطلقها الجنود.
ويستدرك ثارور بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي محا تغريدته بعدما ظهرت صور ولقطات عن جنود يطلقون النار على الفلسطينيين الفزعين الفارين والمبتعدين عن السياج.
وتنقل الصحيفة عن متحدث باسم منظمة حقوق الإنسان “بيتسيلم” أميت غيلوتز، قوله: “هذه نتائج متوقعة من قيادة غير شرعية: جنود إسرائيليون يطلقون النار على متظاهرين عزل”، وأضاف: “ما هو واضح أن لا أحد من القناصة على الأرض إلى المسئولين الكبار، الذين حولوا غزة إلى سجن ضخم، سيحاسبون يوما ما”.
ورغم تصريح مسئول كبير بالأمم المتحدة بأن الوضع في غزة “قد يتدهور خلال الأيام المقبلة”، وتحذير تاي-بروك زيرهون، نائب الأمين العام للأمم المتحدة للشئون السياسية، بأن “على إسرائيل أن تتحمل مسئولياتها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني. ويجب عدم استخدام القوة الفتاكة، مع قيام السلطات بإجراء التحقيقات المناسبة في أي حالات وفاة تنجم عن ذلك”، ورغم مطالبة الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بتحقيق مستقل وشفاف في عمليات القتل والإصابات التي وقعت بغزة، والجلسة الطارئة لمجلس الأمن لبحث الوضع المتدهور في قطاع غزة- يتوقع الكثيرون أن إسرائيل ستفلت كالعادة.
موقف أمريكا
ويعلق الكاتب قائلا إن “إسرائيل لا تخشى شيئا من موقفها المتحدي؛ لأن معظم النقد جاء من تركيا وإيران، اللتين تعطي كل واحدة منهما الفرح لنتنياهو لا الضيق، فيما وقفت إدارة دونالد ترامب في مجلس الأمن أمام بيان دعا (لتحقيق مستقل وشفاف)، وأكد حق الفلسطينيين في الاحتجاجات السلمية”.
وعندما عبرت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية هيذر نوريت عن “حزنها العميق” تدخل مبعوث ترامب للشرق الأوسط جيسون غرينبلات ووقف إلى جانب إسرائيل وحمّل حماس مسئولية “المسيرة المعادية”. وبالتأكيد فقد ساعد ترامب على مفاقمة الغضب بين الفلسطينيين حيث دعا الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية الى التظاهر حتى 15مايو في ذكرى النكبة الفلسطينية واليوم الذي ستنقل فيه واشنطن سفارتها للقدس في اعتراف علني وصريح بسيادة إسرائيل على القدس وحرمان للفلسطينيين من أي حق فيها.
ويقول ثارور إن اختيار البيت الأبيض ذلك اليوم لافتتاح السفارة عزز موقف الفلسطينيين من أن أمريكا لم تعد شريكا يوثق به في العملية السلمية. وعلق السناتور الأمريكي المستقل عن ولاية فيرمونت، بيرني ساندرز في تغريدة يوم 31 مارس قائلاً:” إن قتل المتظاهرين الفلسطينيين على يد القوات الإسرائيلية في غزة مأساوي. ومن حق كل الشعوب التظاهر من أجل مستقبل أحسن بدون رد عنيف”. وأضاف: “في الوقت نفسه يظل الوضع في غزة كارثة إنسانية. وعلى الولايات المتحدة لعب دور إيجابي لوقف الحصار على غزة ومساعدة الفلسطينيين والإسرائيليين في بناء مستقبل يخدمهما”.
العرب أقرب إسرائيل
هذا عن الموقف الأمريكي الذي لا يرجى منه، وماذا عن جيران الفلسطينيين العرب؟ يجيب ثارور إنه أيضاً لا رجاء منه “وكما ناقشنا من قبل فقد تحركت قوى رئيسية في المنطقة مثل مصر والسعودية قريباً من إسرائيل في السنوات الأخيرة الماضية. فمن الواضح أن الفلسطينيين المحرومين من دولتهم يحصلون على دعم الشعوب العربية أما الأنظمة فتعتبرهم مجرد إزعاج يعرقلون جهودها لمحاربة الأحزاب الإسلامية في بلدانها ومواجهة إيران”.
ويختم بالقول إن أحداث الجمعة يجب النظر إليها على أنها جزء من الصراع بين حركتي فتح وحماس حيث فشلت محاولات المصالحة بين الطرفين ويعاني كل منهما حالة ضعف. فقد خسر محمود عباس العملية السلمية وأي تقدم على هذا المسار فيما تعاني حماس في غزة من حصار وتناقص في مواردها. وأصبحت الحياة صعبة في غزة حيث قال شاب عمره 21 عاماً “أريد الموت” و “لم أعد اريد هذه الحياة”.