يصدق السيسي نفسه وهو يلهو وسط “شباب التصدير” الذي أتى به من كل حدب وصوب، ليصدر للعالم مشهدا تمثيليا معتادا يزعم من خلاله أن مصر بلد ينعم بالأمان، حتى انه لم يكتف بكلمة الافتتاح في منتدى شباب العالم، وينصرف ليباشر أعماله التي من المفترض أن يباشرها كمسئول يحكم دولة، ولكن يجلس السيسي أمام الكاميرات على مدار ثلاثة أيام كاملة ويمسك بالمايك وكأنه طفل تعلق بلعبة لا ينصرف عنها.
وعلى الرغم من أن المنتدى الذي نظمه السيسي نفسه اعترف بأن أكثر من نصف الشباب المصري تحت خط الفقر، و60% من الشباب يعاني من البطالة، إلا أن نظام السيسي وإعلامه يسوق للمؤتمر الصبياني على أنه فتح عظيم لن يؤثر في مستقبل الشباب المصري وحسب ولكن سيؤثر في مستقبل الشباب العالم أجمع.
ولكي يسوق السيسي هذا المؤتمر الذي أنفق عليه ما يقرب من 750 مليون جنيه، استدعى عددا من شباب التصدير، وفنانات هوليووديات، ليمارس السيسي لعبته المفضلة في أن يمسك بالمايك ويتحدث اليوم تلو اليوم، ما بين فيلسوف مرة، وطبيب معالج مرة أخرى، ومخترع مرة ثالثة، ثم يختم لعبته بالماراثون الذي يظهر فيه منتشيا وهو راكب دراجته وسط حرسه وشبابه الذين أنفق عليه من أجل “اللقطة الحلوة”.
من شباب الفقر لشباب “الشو”
وعلق الكاتب الصحفي وائل قنديل على الصورة التي أخرجها نظام السيسي في منتدى شرم الشيخ، قائلا: “هذه المرة لم يصطحب إلى شرم الشيخ شبابًا من المطحونين بالأمراض والإعاقات والفقر، بل استدعى شبابًا مستوردًا، وشبابا للتصدير، موضحا أن المستهدف في هذا التوقيت ليس استدرار عطف العالم، أو استحلاب مساعداته، وإنما توجيه رسالةٍ إلى الخارج أن كل شيء مستتب للسلطة.
وأضاف قنديل -خلال مقاله بصحيفة “العربي الجديد”، اليوم الأربعاء- أن منظمي المؤتمر لم ستجلبوا اعتباطًا، وجوه تبدو معارضة من بعيد، لكنها عن قرب هي خلايا توزّعت، بمنتهى الدقة، في أركان وزوايا تبدو على تناقضٍ جذري مع النظام، لكي يقول للدنيا إنه ليس ثمّة من يرفض سلطة الانقلاب من حيث المبدأ، وإن الأمر لا يعدو كونه معارضة، صاخبة أحياناً، لسياساتها، لكنها جزء من النظام السياسي العام، بانتخاباته ودستوره.
وقارن قنديل بين الشباب الذي صنع على مقاسات الجنرال، للاستعمال مرة واحدة، بينما شباب مصر الحقيقي يواصل سياحة الجحيم في السجون والمنافي، على إيقاعات إعلام فاشيٍّ مجنون، يستكثر عليهم حيطان الزنازين والطعام الذي لا يصلح للبشر، ويصرخ طوال الوقت: اقتلوهم لا تعلفوهم.. أبيدوهم دون محاكمة أو تحقيق أو سجن، توفيرًا للأموال، هذه الأموال التي تهدر في مهرجاناتٍ صاخبةٍ تقديسًا لهلاوس الجنرال الفاشل وأوهامه، وحاشيته.
وأشار إلى الأداء التمثيلي الذي يقوم به السيسي حينما ينادي بحنجرة عبدالحليم حافظ، على أحد الشباب المتمرّد على بروتوكول الكلام في القاعة: تعالى، وبأداء تمثيلي فاقع يعطيه ميكروفونا، ويستلم منه أسطوانة مدمجة، تقضي على الفشل الكلوي، من وحي دراما اختراع علاج الإيدز بالكفتة، ليرتدي وجها ناعمًا، ويقدّم نفسه صديق النشطاء وحبيبهم، متحدثًا عنهم بوصفهم مجموعة من الشباب الطائش المندفع، المغيب، الذين لو عرفوا حجم المؤامرة على مصر، لوقفوا أمام الزعيم يحمونه ويحمون مصر.
ونوه إلى أن الإحصائيات التقريبية تكشف أنه أمام كل شاب من شباب حفلات السيسي الخطابية هناك خمسون شابًا على الأقل في السجون والمعتقلات التي امتلأت، حتى تحولت إلى مصدر هائل للدخل القومي، يغطي تكاليف القمع، ويغطي مصروفات المحاكم وغرف التحقيق، ويفيض بما يكفي لإقامة حفلات ومهرجانات، بما تتطلبه من سجاد أحمر ومطربين وراقصات وزمارين وطبالين، محليين ومستجلبين من الخارح، يستمتعون بسياحة انقلابية وثيرة، على نفقة المعذبين في السجون.
وعلق حازم عبدالعظيم -مدير حملة السيسي الانتخابية، والمنقلب عليه حديثا- حيث يقول خلال تغريدة له على “تويتر” “بروتوكوليا في أي مؤتمر تحت رعاية الرئيس يحضر الرئيس الجلسة الافتتاحية ويقول كلمة ثم ينصرف لعمله.. صاحبنا اللي شابط في المايك فاهم الرئاسة غلط”.
فيما انتقد ناشطون مصريون مشاركة ممثلة هوليوود الحائزة جائزة الأوسكار هيلين هانت، كمتحدثة رئيسية في منتدى شبابي في مصر، زاعمين أنها بذلك تدعم “الديكتاتور” عبدالفتاح السيسي، الذي يواجه انتقادات بخصوص حقوق الإنسان.
ووجه موقع الالتماسات الشهير “تشنج دوت أورغ” خطابًا مفتوحًا لهانت، ينتقد مشاركتها في المنتدى، وقعه 101 شخص، يمثلون صحافيين وحقوقيين ونشطاء وباحثين.
وجاء في الخطاب المنشور “لقد صافحتِ السيسي وابتسمتِ والتقطتِ الصور، فليعلم التاريخ أنكِ اخترتِ دعم ديكتاتور يُسأل عن آلاف القتلى والحبس والاختفاءات القسرية”.
وأفاد الخطاب أيضًا أن السيسي “يسجن الصحفيين لقيامهم بعملهم والشباب، لتعبيرهم عن آرائهم، والكتاب الذين يكتبون كتابات خيالية تخدش الحياء العام ومؤيدي حقوق الشواذ، وأغلق أكثر من 400 موقع إلكتروني”.
ويقبع في سجون الانقلاب ما يزيد عن 60 ألف معتقل أغلبهم من الشباب، فضلا عن بناء 20 سجنا عموميا جديد في 3 سنوات، ليدشن نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي وسما جديدا بعنوان أفرج عنه ثم حاورهم.
فضلا عن أن نسبة البطالة في مصر تزيد بين الشباب على 25%، كما لم يتجاوز حجم الشباب المنضمين للأحزاب نسبة 1.5%، فضلا عن أن عدد الشباب في حكومة السيسي يساوي صفر.