الرئيسية / المقالات / واقعنا البئيس وملهمات الهجرة بقلم: عامر شماخ

واقعنا البئيس وملهمات الهجرة بقلم: عامر شماخ

في الحقيقة أن واقعنا – نحن المسلمين – مؤلم بئيس, لا عنوان له سوى الهزيمة والمذلة والخضوع, وإن سألت عن أسباب ذلك فهى كثيرة متنوعة؛ منها الخارجى, ومنها الداخلى. وإذا كنا نحتفل اليوم بذكرى هجرة النبى وصحابته الميامين؛ فإنا نستمد منها الإلهامات للخروج من هذه المآزق التى كبلتنا؛ ومن تلك الأمواج التى أغرقتنا؛ فما من خطوة خطاها المعصوم – صلى الله عليه وسلم- فى هذه الهجرة إلا تصلح درسًا لنا, وما من فعل فعله إلا خلف وراءه عبرة نحن أحق الناس بها؛ فمن ذلك:

– أنه لم تقع الهجرة إلا بعد سنوات طوال من بدء الدعوة (13عاما), كانت كلها عجافًا, تعرض فيها المسلمون لشتى صنوف العذاب, وقدموا خلالها التضحيات العظام, ما أنهك الظهر, وفت العضد, وألان العزم فخرج خباب شاكيًا؛ ليكفه النبى عن شكايته بذكر أحوال المؤمنين ممن كانوا قبلهم, وأن على أهل الإيمان وعصابة الحق أن يصبروا، ويثبتوا، ويصمدوا، وألا يستعجلوا..
والشاهد: أنه لن يكون نصر من دون تضحيات, وأن العجلة فى تحقيق هذا النصر قبل أن يكون هناك إعداد له، إنما هو تعد على قانون السماء؛ فلينظر أهل الحق الآن: فعلوا هذا أم لم يفعلوه؟

– أنه رغم القتل, والسحل, والحصار الممتد, ووقوع الأذى على المسلمين ليل نهار وهم فى مكة -فإنهم لم يساوموا على مبدأ, ولم يفرطوا فى عقيدة, ولم يتنازلوا عن فضيلة؛ إنما احتملوا كل هذا الأذى وهم على تلك العزة وذلك الإباء؛ قد باعوا الدنيا وخلفوا متاعها وراء ظهورهم, وصار البقاء بالنسبة لهم فى مكة كالخروج منها؛ رغم أنها أرض الآباء, ومرتع الصبا, والبلد الحرام التى فيها الأهل والبنون والمال؛ لكنه نداء الحق الذى استجابوا له؛ فما صرفهم عنه شىء من تلك الأشياء؛ إنه الإخلاص لدينهم والتضحية لأجله, والاستمساك بشرائعه, ونواهيه وأوامره، التى منعتهم من التفريط, بل جعلتهم هم الأعلى, الفخورين بدينهم؛ حتى لقد صار العبد الحبشى ينظر بشفقة إلى سيد الأمس؛ رحمة بما هو فيه من جهل وضلال…
والشاهد: ألا يستصغر واحد من أهل الشرعية ما هو عليه من حق, وألا يهتز لعلو أهل الباطل وانتفاش ريشهم؛ فإن صاحب العقيدة هو الأحق أن يتبع, وأن العاقبة له، وأن الباطل الذى يناطحه لن يبقى ولن يدوم.

– وأن النبى-صلى الله عليه وسلم- لم يقرر الهجرة إلا بعدما هيأ نفسه وجماعته لهذا الأمر, على المستويات كافة؛ فقد أعد جيلا من مؤسسى الإسلام ممن قد علا ذكرهم فى السماء؛ يتحملون التبعات, ويواجهون الصعاب والعقبات, ويفدون دينهم بكل ما يمتلكون؛ فهم على استعداد لبذل أرواحهم رخيصة فى سبيل نشر هذا الدين, وأعد- ثالثًا- النفوس والجسوم لتأسيس دولة؛ هى فى وقتها: أحدث الدول, وأرقاها, وأقواها، والأرحم بالبشرية, والأنفع لها؛ حيث لم يستغرق تنفيذ هذه الدولة وبتلك المواصفات العظيمة سوى سنوات قليلة؛ نظرّا لمتانة الأساس وقوة الأركان, وحنكة القائد وربانيته, وإخلاص الأفراد, ونقاء سريرتهم, وتعظيمهم لأمر دينهم الذى عصمهم من آفات البشرية وأمراض الطمع…

والشاهد: أنه لا بد من جماعة قوية, بقيادة حكيمة تعرف شريعة دينها, وسيرة نبيها, لديها فقه ومرونة, وأفراد لديهم جاهزية لفداء الدين, نابع من إيمان متمكن في نفوسهم, وطاعة مبصرة؛ ترعى الضوابط التى راعاها الصحابة والسلف الكريم, ثم بعد هذا توضع الخطط المبنية على واقع, الممكنة التنفيذ, التى للشباب فيها نصيب كبير, وتراعى ذلك الواقع المتشابك، والعلاقات المعقدة، كما يراعى فيها الجاهلية المعاصرة التى تشن حربها على الإسلام؛ إما خوفّا على مصالحها, أو بإيعاز من أحبار ورهبان متجردين من الأخلاق؛ يتجرون بالدين ويبيعون الفضيلة بثمن بخس.
– وأن النبي أعد عدته, وخطط خططه, وأخذ من الأسباب وترك, لكنه لم ينس ربه, ولم يدع قلبه لهواه, إنما كان قلبه معلقّا بالسماء؛ ما بين ذكر ودعاء، وخوف ورجاء؛ مؤملا فى حفظ الله لتلك العصابة من المؤمنين؛ ففى خروجه كان يدعو, وفى اختبائه كان يناجى ربه؛ ما زرع الثقة فى نفسه، واليقين فى قلبه، حتى قال لصاحبه: (ما ظنك باثنين الله ثالثهما)..

والشاهد: لا تعتمدوا على الأسباب وحدها؛ فإن ذلك مخاطرة, بل خذوا بها كلها لا تتركوا منها واحدّا, ثم كونوا مع رب هذه الأسباب؛ طاعة, وخضوعّا, وتذللا, ورجاء… فهو معكم ولن يتركم أعمالكم. ولله الحمد والمنة.

 

شاهد أيضاً

ترزي القوانين وتعديلات دستور العسكر!! كتبه عزالدين الكومي

“فتحي سرور” الذي تجاوز الثمانين من عمره، تاريخه معروف،فهو أحد أعضاء التنظيم الطليعى الناصرى، وبعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *