ينبغي أن تكون الأولوية الأولى لأيّ زعيم عالمي رفاهية شعبه. ولكنّ اتباع الرئيس الفلسطيني محمود عباس هذا المبدأ الأساسي يشكّل تحديًا؛ لأنّ اهتمامه بشعبه يجب أن يشمل قطاع غزة المحاصر أيضًا، لكنّ الوضع المعقّد في القطاع الذي تسيطر عليه حماس يجعل من الصعب عليه أن يحدد أولوياته؛ ما يؤدي إلى تأثير السياسة الداخلية على تصوره للمصالح الفلسطينية، بحسب «الجزيرة».
وأضافت الشبكة، بحسب ما ترجمت «رصد»، أنّ التغيرات الجيوسياسية الأخيرة في المنطقة أتاحت فرصة نادرة لـ«عباس» لتعزيز نفوذه على الشريط الفلسطيني، لكنه اغتنم هذه الفرصة للضغط على «حماس» لإحداث نتائج «مثيرة»؛ إذ وافقت اليوم الأحد على إجراء محادثات مع حركة «فتح»، وأعربت عن استعدادها لإجراء انتخابات عامة في الأراضي الفلسطينية.
الضغط على حماس
وقالت الشبكة إنّ «حماس» لم تستعد لاستيعاب عودة قيادة السلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله إلى قطاع غزة، ودعمت سوريا وإيران وقطر ومصر الحركة؛ ما سمح لها بمقاومة الضغوط الدولية والمحلية للتنازل عن السيطرة على غزة. غير أنّ التطورات الأخيرة في المنطقة وضعت حماس ثانية في مكان ضيق؛ إذ أُجبر قادتها في الخارج على التخلي عن طموحاتهم في سوريا، وأدى الصعود القوي لعبدالفتاح السيسي إلى عرقلة الأمور عند معبر رفح. وفي الوقت نفسه، بدأت السعودية والإمارات العربية المتحدة تمارس ضغوطًا هائلة على قطر لإنهاء دعمها لحماس.
وأدّت هذه التطورات إلى إضعاف حماس، وقرّر «عباس» أنّ الوقت حان للضغط على الحركة لتسليم السيطرة على قطاع غزة، وبينما كان يعارض بشدة استخدام العنف ضد الفلسطينيين، كانت الخطوة الأولى التي اتخذها الرئيس الفلسطيني هي التوقف عن دفع تكاليف الطاقة في غزة؛ وتسبّب هذا التوقف في صعوبات سياسية للحركة، لكنه لم يحقق على الفور انتصارًا ملموسًا. وبدلًا من ذلك، أدى الضغط من رام الله إلى عودة «محمد دحلان» للمشهد.
وجود دحلان
في عام 2007، قاد دحلان انقلابًا ضد حكومة حماس المنتخبة حديثًا، وأُجبر في نهاية المطاف على مغادرة القطاع. ووافق دحلان، الذي صار محبوبًا لقيادة دولة الإمارات العربية المتحدة، وتعاونت معه من أجل العمل على عودته إلى موطنه، والأهم من ذلك أنه سيستمر في إغواء محمود عباس، الذي ألقى به خارج حركة فتح وتمتّع بآمال كبرى في الاستيلاء عليها.
لكن، من غير المحتمل أن تحل عودة دحلان إلى غزة المشاكل الأساسية للقطاع المحاصر وإنهاء التنافس المدمر بين حماس والسلطة الفلسطينية؛ فقرار حماس بالتغاضي عن الماضي ربما يرتبط برغبتها في إنهاء المأزق المالي في غزة وإيجاد الراعي الحكومي، ويبدو أن هذه الخطة أتت بنتائجها؛ لأن قيادة القاهرة -ذات الصلات القوية مع دحلان- وافقت على أداء دور نشط في قرار يوم الأحد.
وتحكم حماس قطاع غزة منذ أكثر من عقد؛ لكنّ السلطة الفلسطينية في رام الله تواصل دفع مرتبات موظفي الخدمة العامة في القطاع، فضلًا عن دفع تكاليف الخدمات العامة مثل الكهرباء والمياه، كما تواصل دفع رواتب شهرية لأسر الشهداء والسجناء الفلسطينيين؛ سواء أكانوا يعيشون في الضفة الغربية (بما فيها القدس الشرقية) أو قطاع غزة. من الناحية القانونية، تنازلت الحكومة الفلسطينية عن الضرائب التي كانت تجنيها من المواطنين في القطاع؛ باستثناء رسوم بسيطة.
من جانبها، فرضت «إسرائيل» حصارًا بريًا وبحريًا على غزة، بالإضافة إلى تدمير مطار غزة الدولي، وفشلت جميع الجهود الدولية في فك هذا الحصار.
وبفضل رعايته الإماراتيين، أصبح دحلان في وضع جيد يمكنه من تقديم قدر كبير من المساعدات الإنسانية إلى غزة؛ ما من شأنه أن يساعد قيادة حماس على البقاء على قيد الحياة في ظل الحصار الإسرائيلي ومواجهة قرار عباس بتخفيض الدعم المالي. ومع ذلك، من غير المرجح أن تحلّ عودة دحلان إلى غزة المشاكل الأساسية للقطاع المحاصر وتنهي التنافس المدمّر بين حماس والسلطة الفلسطينية.
فالمحاولات العديدة لحل الصراع بين الجانبين الفلسطينيين لم تسفر عن أيّ نتائج تذكر من أجل التخفيف على ما يقارب من مليوني فلسطيني محاصرين داخل القطاع، وفي حين أنّ ترتيبات مصالحة واتفاقاتها أعلنت نتائجها على مر السنين، لم يُنفَّذ أيٌّ منها؛ ما أصاب سكان غزة بخيبة أمل.
ويبدو أنّ المصريين في الوقت الحاضر توصلوا إلى نتائج توافقية للجانبين. لكن، من غير الواضح ما إذا كان هذا سيؤدي إلى حل طويل الأجل؛ ما لم تكن هناك ضمانات للانتخابات وآلية للسماح للفائز الوحيد في الانتخابات بإدارة كل من غزة والضفة الغربية.
الطريق الوحيد للأمام
تقول الشبكة إنّ الحصار المفروض على غزة والانقسام بين غزة والضفة الغربية استمرا طويلًا، فبالإضافة إلى التكلفة البشرية التي دفعها الشعب الفلسطيني، فشلت قدرتهم على التفاوض كشعب موحد.
وقالت إنّ الطريقة الوحيدة لحل المأزق الحالي هي أن تبتلع حماس فخرها وتسمح لحراس لعباس بإعادة السيطرة على المحطات داخل القطاع وخارجه ومتابعة جميع الجوانب الأخرى لاتفاقات المصالحة السابقة. والأهم من ذلك إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في غزة.
وبمجرد إجراء هذه الانتخابات، إعادة ضم حماس وحركة الجهاد الإسلامي إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وعند إذ يمكنها عقد جلسة للمجلس الوطني الفلسطيني؛ ويمكن لهذا الاجتماع أن يضع استراتيجية وطنية متفقًا عليها، وينتخب أولئك الذين سيحملون الشعلة في عهد ما بعد عباس. وكان البيان الصحفي الصادر عن حماس، الذي أعلن عن حل لجنتها الإدارية والسماح بإجراء الانتخابات، مرضيًا لجميع الأطراف.