كشفت مصادر سياسية مطلعة في مصر أنّ جهاز الاستخبارات العامة، الذي يقوده اللواء عباس كامل، أصدر تعليمات إلى مقدمي البرامج الحوارية على شاشات الفضائيات (الأذرع الإعلامية)، ورؤساء تحرير الصحف الحكومية والخاصة، بشنّ حملة ترويجية لتعديلات الدستور المصري المطروحة أمام مجلس النواب حالياً، بغرض تمديد ولاية الرئيس عبد الفتاح السيسي حتى عام 2034.
وقالت المصادر في حديث خاص مع “العربي الجديد”، إنّ الاستخبارات العامة وزّعت مجموعة من التبريرات على الأذرع الإعلامية حول “حتمية” تعديل الدستور في الوقت الراهن، واستمرار السيسي في الحكم، لاستكمال ما يسمى بـ”المشاريع القومية”، وعدم توقفها، على غرار العاصمة الإدارية الجديدة، وتكثيف نشر المواد الإعلامية والصحافية بناءً على ما تضمنته تلك التبريرات من محاور.
وأفادت المصادر بأنّ التعليمات الاستخباراتية شملت الاستشهاد بسيناريو تعديل الدستور التركي في إبريل/ نيسان 2017، والذي منح الرئيس رجب طيب أردوغان حقّ الترشّح لولايتين رئاسيتين مدة كل واحدة منهما 5 سنوات، وبموجبها حظي بصلاحيات عديدة مثل فرض حالة الطوارئ قبل العرض على البرلمان، في تلميح إلى ما تضمنته تعديلات الدستور المصري من صلاحيات واسعة للسيسي.
وكشفت المصادر عن نصّ التعليمات الواردة إلى “الأذرع الإعلامية”، والتي جاءت كما يلي: “التعديلات المقترحة على بعض مواد الدستور تتضمن مجموعة من النقاط المهمة، خصوصاً في ظلّ ترويج البعض لشائعات هدفها التشكيك في الهدف الأساسي منها، حيث إنها تقوم على مبادئ أساسية كانت محورا لمطالب المصريين طوال السنوات الماضية، خصوصاً تمكين المرأة سياسياً، وضمان التمثيل الأفضل للمسيحيين والشباب وذوي الإعاقة”.
وحسب التعليمات الاستخباراتية، فإنّ “التعديلات المقترحة أضافت الكثير من مطالب المصريين، منها زيادة نسبة تمثيل المرأة في مجلس النواب إلى 25 في المائة، في إطار ما تلاقيه المرأة المصرية من دعم كبير في المجالات كافة، وكذلك في السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وهو ما يعدّ ترجمة لما أثبتته من نجاح في المواقع كافة التي تتولاها، والمهام التي تُكلف بها، سواء كنائبة عن الشعب أو كوزيرة أو محافظة أو غير ذلك”.
وتابعت التعليمات “التعديلات المقترحة حافظت على مواد باب الحريات في الدستور، ولم تمس أياً منها، كما يدعي البعض، أو يشاع على وسائل التواصل الاجتماعي، وأبقت على تمثيل المسيحيين والشباب وذوي الإعاقة في مجلس النواب، لأن دستور 2014 كان يخصص نسبا معينة لتمثيلها في البرلمان الحالي، ما يعني أن برلمان 2020 سيخلو من هذه النسب، لذا جاءت التعديلات للحفاظ على مكتسباتها، وضمان وجود دائم لها في البرلمانات المقبلة”.
وأضافت “تضمنت التعديلات المقترحة إنشاء غرفة تشريعية أخرى تحت مسمى (مجلس الشيوخ)، والهدف الأساسي منها هو فتح المساحة السياسية أمام المواطنين، لأن التجربة العملية طيلة السنوات الماضية كشفت أهمية عودة الغرفة الثانية للبرلمان، باعتبار أن فكرة إلغاء مجلس الشورى لم تكن موفقة، في ضوء حرص معظم دول العالم على وجود غرفتين تشريعيتين ذات اختصاصات مختلفة”.
وبالرغم من نصّ التعديلات الدستورية على إنشاء مجلس الشيوخ من دون أي صلاحيات فعلية، سواء في التشريع أو مساءلة الحكومة، فإنّ التعليمات ادعت أن عودته “تعدّ ضماناً لإثراء الحياة السياسية، والبرلمانية، وخروج التشريعات بشكل أكثر دقة، ومنضبطة دستورياً، علاوة على أن وجود الغرفة الثانية سيمنح المساحة والفرصة لأعضاء مجلس النواب لأداء المهام الأخرى المنوطة بهم، ومن بينها الرقابة على أداء الحكومة والوزراء”.
وقالت التعليمات “ارتبطت التعديلات المقترحة بشائعات عدة، حاولت النيل من الفكرة وجوهرها، ولعل أبرزها شائعة عزل شيخ الأزهر في محاولة للوقيعة بين مؤسسات الدولة”، مشيرة إلى أنّ “تعديل المادة الخاصة بمدد الرئاسة في الدستور مرتبط بأمرين؛ الأول الوضعية الدستورية والقانونية لها في دول العالم، والثاني يتعلق بفلسفة زيادة المدة الواحدة من أربع إلى ست سنوات”.
وأضافت: “الكثير من دول العالم ترفض أن تكون مدة الرئاسة أقل من خمس سنوات، لأنها تعني الاستقرار، وقدرة الرئيس على تنفيذ برنامجه وخطة عمله، وهو ما يحدث في فرنسا وتركيا، وكلاهما تحدد مدة الرئاسة بخمس سنوات، وكذلك روسيا التي حددت المدة الرئاسية بست سنوات”. واستطردت التعليمات بالقول إنّ “فلسفة اختيار الست سنوات للمدة الواحدة ترجع إلى طبيعة الوضع في مصر التي خرجت من ثورتين، وما شهدته البلاد من كساد اقتصادي وعدم استقرار أمني. لذا، من المهم أن يكون هناك استقرار لوضع الدولة في المسار الصحيح… وبالتالي فإن الالتزام بفترتين للرئاسة كل منها 6 سنوات، هدفه الأساسي ضمان تحقيق الاستقرار السياسي والأمني الذي يخدم الاقتصاد، والأوضاع الداخلية للدولة”.
وختمت التعليمات بالقول إنّ “التعديل المقترح بالنسبة للمدد الرئاسية لم يتناول فتح المدد الرئاسية إلى ما لا نهاية، ولكن نصّ على فترتين فقط، مدة كل منهما 6 سنوات، ما يؤكد أنّ الهدف الأساسي هو تحقيق الاستقرار، وحتى يكون أمام رئيس الجمهورية الفرصة والمساحة الزمنية التي تكفل له تحقيق برامجه، واستراتيجياته للنهوض بالدولة”.
ووفقاً للمصادر، فإنّ هذه التعليمات وزعت على الإعلاميين ورؤساء التحرير الموالين كافة، مساء أوّل من أمس الثلاثاء، لبدء حملة ترويجية لتمرير تعديلات الدستور، وذلك بعد نحو ثلاثة أيام من التزام جميع الصحف والمواقع المحلية بالصمت إزاء التعديلات، والاكتفاء فقط بنشر البيانات الرسمية الصادرة عن مجلس النواب، أو التي تبث من خلال وكالة أنباء الشرق الأوسط “الرسمية” نقلاً عن ائتلاف الأغلبية البرلمانية.
ووفقاً للمصادر، فإنّ هذه التعليمات وزعت على الإعلاميين ورؤساء التحرير الموالين كافة، مساء أوّل من أمس الثلاثاء، لبدء حملة ترويجية لتمرير تعديلات الدستور، وذلك بعد نحو ثلاثة أيام من التزام جميع الصحف والمواقع المحلية بالصمت إزاء التعديلات، والاكتفاء فقط بنشر البيانات الرسمية الصادرة عن مجلس النواب، أو التي تبث من خلال وكالة أنباء الشرق الأوسط “الرسمية” نقلاً عن ائتلاف الأغلبية البرلمانية.
ولم تتأخر “الأذرع الإعلامية” في التقيّد بهذه التعليمات، وهو ما ظهر بوضوح عبر عدد من البرامج التلفزيونية. واستشهد الإعلامي أحمد موسى في برنامجه “على مسؤوليتي”، الذي يعرض على قناة “صدى البلد”، بسيناريو تعديل الدستور التركي قبل عامين للترويج للتعديلات المصرية الرامية لاستمرار السيسي في الحكم بعد انتهاء ولايته عام 2022، مخاطباً المعترضين على تعديل الدستور، بالقول: “رجب طيب أردوغان غيّر الدستور تماماً، حتى يظلّ رئيساً لتركيا إلى عام 2029… ومن دافع عن أردوغان حينها، هو من يهاجم مصر الآن”.
من جهته، نفى الإعلامي تامر أمين، عبر برنامجه “آخر النهار” الذي يعرض على قناة “النهار”، ما رددته بعض القنوات “المعادية” لمصر (المعارضة للنظام)، عن إجراء تعديل في الدستور يخص الأزهر الشريف، قائلاً “لا هناك نية لوجود مادة تسمح بإقالة شيخ الأزهر، أو هيمنة الدولة على المؤسسة الدينية العريقة… وجماعة الإخوان تتحدّث في هذا الأمر للعب على عاطفة الشعب تجاه الدين”. وطالب أمين الجميع بـ”التصدي لتلك الشائعات، والردّ عليها على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً أنّ التعديلات تمّ نشرها، وعلى كل شخص مراجعتها، والتأكد من صحة ما يتردد بشأنها”، حسب تعبيره.
كما قال الإعلامي أسامة
كمال، في برنامجه “مساء دي أم سي” على قناة “دي أم سي” المملوكة
للاستخبارات، إنّ “الحديث مستمر في مصر عن التعديلات الدستورية منذ ثلاثة
أيام، على الرغم من أنها ما زالت في مراحلها الأولى”، مضيفاً “اللي سمع إن
اللجنة العامة بمجلس النواب وافقت على التعديلات، بفهمه لو مش فاهم، إن
اللجنة وافقت على مجرد مقترح التعديل… مش على مواد التعديل، ولا على نص
التعديل”. وتابع “اللي حصل حتى الآن قراءة لنصّ مشروع تقرير اللجنة العامة
بخصوص رأيها في تعديل الدستور من حيث المبدأ”، داعياً المصريين إلى “تحري
الدقة، واستقاء المعلومات من مصادرها الرسمية”.
وكان الإعلامي عمرو أديب قد
نفى ما يتردد حول تعديل مادة استقلال الأزهر ضمن التعديلات الدستورية
المقترحة، قائلاً: “من مبارح قنوات الإخوان بتتكلم عن هذه المادة، ومافيش
حاجة من الكلام ده”، مضيفاً عبر برنامجه “الحكاية” الذي يعرض عبر قناة “إم
بي سي مصر”، أن “تعديل الدستور لن يكون سراً، وهناك نواب بالبرلمان ضدّ
تعديل الدستور، وهو أمر طبيعي… وعلى الأحزاب السياسية توضيح مزايا تعديل
الدستور وعيوبه للمواطنين”.
واللافت أنّ إعلان تأييد
أديب للتعديلات الدستورية، ودفاعه عنها، يناقض حديثه السابق في مارس/ آذار
2018، حين أعلن نائب البرلمان إسماعيل نصر الدين اعتزامه التقدّم بتعديلات
على الدستور لمدّ الفترة الرئاسية من 4 إلى 6 سنوات، إذ قال وقتها: “ليه
عاوزين تغيروا الدستور؟ أنتم من تخلقون الفرعون… الرئيس (السيسي) نفسه كل
ما يطلع في أي حديث بيقول أنا سأحكم 4 سنين ثمّ 4 سنين وأمشي… ما يبقى
في ديمقراطية بقى”. وتابع أديب “الرئيس الأميركي دونالد ترامب كان يحلف
اليمين الدستورية، وفي البلكونة (النافذة) خمسة رؤساء سابقين، وسادس في
المستشفى… إيه المانع إن يحصل ده في مصر… الدستور اتكتب، وطلعنا عينينا
فيه، وقلنا إنه أعظم دستور في الدنيا… وبعد ما عملناه داخلين نغيره!”.
وأعلن رئيس مجلس النواب، علي عبد العال، أول من أمس موافقة اللجنة العامة في البرلمان، رسمياً، على طلب تعديل الدستور، المقدّم من 155 نائباً من مجموع 595، موضحاً أنه “سيتيح تقرير اللجنة الذي وافق عليه أكثر من ثلثي عدد أعضائها في اجتماعها الثلاثاء، لجميع النواب قبل الجلسة المحددة لمناقشته بسبعة أيام على الأقل، عملاً بحكم الفقرة الرابعة من المادة (134) من اللائحة الداخلية للمجلس”.
وتسمح تعديلات الدستور ببقاء السيسي في منصبه لمدة 12 عاماً إضافياً، على المدتين المحددتين بثماني سنوات في الدستور، إلى جانب استحداث مجلس أعلى لجميع الجهات والهيئات القضائية تحت رئاسته، ومنحه صلاحية تعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا، والنائب العام، فضلاً عن اشتراط موافقة الجيش على تسمية رئيس الجمهورية لوزير الدفاع، وإضافة “حماية مدنية الدولة” إلى الاختصاصات الدستورية للمؤسسة العسكرية.
وتضمّن مشروع التقرير الصادر عن اللجنة العامة بخصوص تعديل الدستور، عدداً من المبادئ الأساسية، منها: “إمكانية تعيين نائب لرئيس الجمهورية أو أكثر، وتعديل مدة الرئاسة لتصبح ست سنوات بدلاً من أربع، مع وضع ما يلزم في هذا الصدد من أحكام انتقالية، وتنظيم آلية موحدة لتعيين رؤساء الهيئات القضائية، وإعادة صياغة وتعميق دور القوات المسلحة، وجعل تعيين وزير الدفاع بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة”.