دخلت قطر على خط استغلال جزيرة “سواكن” السودانية إلى جانب تركيا، حيث تعتزم الدوحة استثمار نحو 4 مليارات دولار في تطوير ميناء الجزيرة الجديد ،مما يعزّز من وصول قطر إلى ساحل البحر الأحمر، ما يعني تحقيق إنجاز اقتصادي جديد للدوحة، التي تعاني حصاراً تفرضه السعودية والإمارات والبحرين منذ 5 يونيو الماضي.
وأوردت وكالة الأنباء الرسمية في السودان، عن وزير النقل مكاوي محمد عوض، قوله، إن السودان وقطر وقعا محضر اجتماع اللجنة المشتركة لإعادة تأهيل وإدارة ميناء سواكن، وبحثا سبل تطوير تجارة العبور لدول الجوار وتنمية التجارة بالمنطقة الحرة بالميناء وإنشاء البنية التحتية الخاصة به بما يعزز العمليات التشغيلية الخاصة به ليصبح البوابة التجارية الرئيسية في المنطقة.
وأشار وزير النقل السوداني إلى إن المرحلة الأولى من المشروع تبلغ تكلفتها 500 مليون دولار تحصل الحكومة بموجبها على 51 في المئة من حصة المشروع فيما تحصل قطر على 49 في المئة، مشددًا على أهمية المشروع المتوقع اكتماله في عام 2020.
وأبلغ مسئولون من وزارة النقل القطرية يزورون السودان ، الإثنين ، بأنه يجري إعداد الاتفاق، لكن قيمته والتفاصيل الأخرى لم يتم الانتهاء منها بعد.
خط بحري للدوحة
وقال جاسم بن سيف السليطي، وزير المواصلات والاتصالات القطري إن ميناء سواكن به ميزات تفضيلية ويدعم الصادرات بشكل كبير خاصة اقتصادات المنطقة الأفريقية، موضحا أهميته وموقعه الاستراتيجي والحيوي، ومروره بطريق الحرير، وتميزه كنقطة التقاء مهمة جدا للتصدير وخاصة لدول الجوار، بما يجعل منه قيمة مضافة للاقتصاد.
وأوضح أنه سيتم اعتبارا من أبريل المقبل فتح خط بحري بين ميناء حمد وميناء سواكن، مؤكدا أن محضر اجتماع اللجنة المشتركة يشمل تعاونا قويا في المجال الاقتصادي بما يحقق المصلحة المشتركة بين البلدين الشقيقين.
ومن جانبه ثمن الوزير السوداني، دور قطر في دعم بلاده في كل المجالات، مؤكدا أن محضر اجتماع اللجنة المشتركة يأتي في إطار الشراكات الاستراتيجية الناجحة بين البلدين الشقيقين.
وبحسب الصحيفة أكد مكاوي محمد عوض، أن العمل مع القطريين بدأ في العام 2016 لإنشاء ميناء في سواكن.
وأشار الوزير إلى وجود مباحثات مع الجانب القطري بخصوص تطوير ميناء بورتسودان، وقال إن الدراسات الفنية المتعلقة بالمشروع آنف الذكر تجري على قدم وساق وإنه سيتم التحديد في وقت لاحق لتوقيع العقود النهائية.
وكان السلطات السودانية قد ذكرت فى نوفمبر الماضى أنها اتفقت مع قطر على إنشاء أكبر ميناء للحاويات على ساحل البحر الأحمر.
ويقدر حجم الاستثمارات القطرية في السودان بأكثر من 3.8 مليارات دولار، حسب وزارة الاستثمار السودانية.
وكان السودان قد وقَّع العام الماضي اتفاقاً مع تركيا، تقوم بموجبه أنقرة بإعادة بناء جزء من ميناء سواكن، وبناء حوض بحري لصيانة السفن المدنية والعسكرية.
وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال زيارة إلى الخرطوم، أن السودان خصص جزيرة سواكن الواقعة في البحر الأحمر شرقي السودان لتركيا كي تتولى إعادة تأهيلها وإدارتها لفترة زمنية لم يحددها. ولا يعرف حتى الآن ما إذا كان البلدان (قطر وتركيا) سيتوليان تطوير الميناء معا أم أن قطر هي التي ستتولى ذلك دون تركيا.
الغضب المصري
ويتوقع أن يُغضب الاتفاق على الأرجح مصر، التي تتهم قطر بدعم جماعة الإخوان المسلمين، والتي انضمَّت أيضاً إلى مقاطعة تقودها السعودية لقطر في العام الماضي. وتنفي قطر دعم الإخوان المسلمين.
ويأتي تعزيز الخرطوم لعلاقاتها مع تركيا وقطر في وقت تتعهد فيه بتعزيز التعاون مع القاهرة، بعد عام شهد توتراً في العلاقات بين البلدين بسبب النزاع على ملكية منطقة حلايب وشلاتين و أيضا انحياز السودان لأثيوبيا ضد مصر في ملف سد النهضة .
وجاء هذا الإعلان عن الاتفاق بعد أيام من زيارة قام بها البشير إلى مصر، هي الأولى له منذ أكتوبر 2016، وذلك بعد عودة السفير السوداني إلى القاهرة في وقت سابق هذا الشهر.
وكانت وسائل الإعلام المصريّة قد هاجمت اتّفاق تركيا والسودان بشأن سواكن هجومًا شرسًا، حيث ألمح الكاتب عماد الدين أديب في مقاله في جريدة الوطن في 27 ديسمبر 2017 إلى أنّ السودان منح تركيا قاعدة بحريّة عسكريّة في جزيرة سواكن، «ستكون قاعدة دفاع وتدريب وتخزين للسلاح يتمّ إنشاؤها بواسطة شركات تركيّة، وبتمويل كامل من دولة قطر».
واعتبر الإعلاميّ أحمد موسى على قناة صدى البلد في 26 ديسمبر «أنّ منح السودان جزيرة سواكن إلى تركيا هو «استعمار تركيّ»، وأنّ اتّفاق سواكن خطر على الأمن القوميّ العربيّ والمصريّ والسعوديّ وأنّ تركيا تحاول التمدّد خارج الحدود لفرض الهيمنة والسيطرة».
وربط الإعلاميّ «مصطفى بكري» خلال برنامجه «حقائق وأسرار» في 28 ديسمبر 2017، بين اجتماع رؤساء الأركان القطريّ والتركيّ والسودانيّ الذي عقد في 26 ديسمبر 2017 في الخرطوم خلال زيارة الرئيس التركيّ أردوغان إلى السودان، وبين منح السودان تركيا حقّ إدارة جزيرة سواكن، حيث أكّد بكري أنّ هذا الاجتماع بالتزامن مع اتّفاق سواكن «يشير إلى احتمال توقيع اتّفاق عسكريّ أمنيّ، هدفه توفير تواجد تركيّ في مواجهة الملاحة المصريّة».
وردًّا على هجوم الإعلام المصريّ على اتّفاقيّة سواكن، قال وزير خارجيّة السودان «إبراهيم غندور» في 26 ديسمبر 2017: «ليمت بغيظه من يمت وليفرح بسعدنا وفرحنا من يفرح، وأتعجّب لردود بعض أجهزة الإعلام المصريّ، لكن لا نأخذ كلّ الشعب المصريّ بجريرة بعضهم، وواضح أنّ هناك من لا يفهم كيف تدار العلاقات بين الدول».
ولم يكن الإعلام المصريّ فقط هو من شنّ هجومًا على اتّفاقيّة جزيرة سواكن، فقد شاركه الإعلام السعوديّ، حيث نشرت صحيفة عكاظ السعوديّة في 27 ديسمبر مقالًا بعنوان «الخرطوم تمنح أنقرة سواكن… السودان إلى الحضن التركيّ»، حيث أكّدت الصحيفة أنّ أطماع تركيا في أفريقيا ليست لها حدود، مؤكّدة أنّ تركيا لم تكتف بتدشين قاعدة عسكريّة في سبتمبر الماضي في الصومال لتحصل على قاعدة أخرى في سواكن في السودان.
وعلّقت السفارة السودانيّة في السعوديّة على مقال صحيفة عكاظ الذي هاجم اتّفاقيّة سواكن، قائلة في بيان لها في 27 ديسمبر 2017 إنّ «السودان لا يهدّد الأمن العربيّ من خلال توقيعه على اتّفاق مع تركيا لإعادة تأهيل ميناء سواكن»، وفقا لـ «سي إن إن».
أهمية الجزيرة
وتقع “جزيرة سواكن” على الساحل الغربي للبحر الأحمر شرقي السودان، جنوبي مدينة بورتسودان، وتبعد عن الخرطوم 560 كم. مساحتها تبلغ 20 كم، وتتكون من منطقة ساحلية واسعة، يدخلها لسان بحري يجعل منها ميناء طبيعياً كان بوابة السودان الشرقية والبحرية قديماً، كما يؤكد عمدة الجزيرة محمود الأمين قائلاً: “سواكن كانت عاصمة الديار الإسلامية على ساحل البحر الأحمر وشرق إفريقيا”.
وميناء سواكن هو الأقدم في السودان، ويُستخدم في الغالب لنقل المسافرين والبضائع إلى ميناء جدة في السعودية، وهو الميناء الثاني للسودان بعد بور سودان الذي يبعد 60 كلم إلى الشمال منه.
واستخدمت الدولة العثمانية جزيرة سواكن مركزاً لبحريتها في البحر الأحمر، وضم الميناء مقر الحاكم العثماني لمنطقة جنوب البحر الأحمر بين عامي 1821 و1885.
وموقع الجزيرة الاستراتيجي، غير البعيد عن السواحل السعودية والمصرية والإريترية واليمنية، يجعلها دائماً محلَّ جدل، حيث تناول الإعلام المصري بحذرٍ أخبار التقارب بين تركيا والسودان.
فزيارة الرئيس التركي التي جرت في ديسمبر 2017، التي تعد أول زيارة لرئيس تركي للسودان، لم تُغضب -على ما يبدو- القاهرة فقط؛ بل حتى السعودية؛ الأمر الذي دفع السفارة السودانية في الرياض، لتأكيد أن السودان لا يهدد الأمن العربي من خلال توقيعه على اتفاق مع تركيا لإعادة تأهيل ميناء “سواكن”، وأنه لا دخل لذلك بالخلاف السوداني-المصري.