الرئيسية / المقالات / الشعب خائف والسيسي يضحك.. أية مفارقة؟ بقلم: محمد موسى

الشعب خائف والسيسي يضحك.. أية مفارقة؟ بقلم: محمد موسى

أكره برامج الكاميرا الخفية، لا أجد فيها طرافة، بل إنني أستثقل ظل مقدميها، وعلى رأسهم ذاك الذي اسمه رامز جلال، كما أستقبح اعتمادها على السخرية من مخاوف الناس، لا شيئًا يُضحك في مشهد إنسان مفزوع يرتعد، الذين يستمتعون بخوف الآخرين، هم في واقع الأمر ساديون مجرمون مقززون.

الظاهر أن السادية من أكثر الاعتلالات النفسية شيوعًا في الجنس البشري، ولعل الأمر يرجع إلى عوامل جينية، وما يبدو واضحًا بجلاء، أن البشر رغم ما يتباهون به من رقي وتحضر، لا يخلون من نزوع إلى الوحشية، ومن شبق إلى سفك الدماء.

روما القديمة ابتكرت حلبات المصارعة، حيث كان القياصرة والنبلاء ومعهم العوام، يقتادون المصارعين فيتلذذون بالفرجة عليهم، وهم يتمزقون أشلاءً، بسيوف وخناجر بعضهم البعض حينًا، أو بين براثن ومخالب الضواري، التي كانت تُساق إلى الحلبات، في حين آخر، لتأدية دور القتلة، على وقع هتافات البربرية المجرمة، وصرخات الانتشاء الدموية.

إن جنسًا من مخلوقات الله، ليس له أن يتباهى بتحضره، في حين أنه يستطعم سفك الدماء، بغرض التسلية، ليس إلا، في حين أن اللواحم الضارية لا تفترس طرائدها، إلا لتأدية وظيفة ما، وظيفة ذات دور في توازن الكون، وإن كانت في إطار اللعبة التراجيدية: «صراع البقاء».

غريب أن يتلذذ الإنسان، بمشهد أخيه الإنسان، يسفك دم أخيهما الإنسان.

غريب أن ينتشي في سعادة، وهو يرى أخًا آخر، ترتعد فرائصه ويقاسي ذاك الألم المرير: الخوف.

الخوف هو أشد ألم يمكن أن يكابده إنسان، خاصة حين يتطور إلى الحالة المرضية المتعارف على تسميتها بالرهاب أو «الفوبيا»، وهي الحالة التي يسقط المريض معها فريسة لمخاوف لا منطقية، ومن أشهر أعراضها رهاب العناكب والفئران، ورهاب الأماكن المغلقة والمرتفعة.

ما يمكن قوله باطمئنان، إن كل إنسان يعاني نمطًا ما، من أنماط الرهاب، وتلك مفارقة مدهشة، التقطها «جورج أورويل» في روايته الأشهر 1984، فالزبانية في أقبية السجون، كانوا يزجون بالمعتقلين إلى غرف العقاب، حيث لا سياط ولا نزع أظافر ولا تعليق من الأيدي أو الأرجل، وإنما تعريضهم بكثافة إلى ما يخافونه، فمن يخشى الفئران، ملأوا حجرته بها، ومن يرهبه الظلام، سدوا عليه منافذ الضوء، وتركوه في عتمته، وهكذا تسري في الخلايا قشعريرة الفزع، وتتقطع بالبؤساء الأسباب، ويرون العذاب.

على أن الشعور بالخوف ليس مقصورًا على الإنسان، فإناث الكلاب، وهي بالمناسبة أشرس من ذكورها، قد تتبول «تعملها على روحها»، إذا شعرت أن سيدها سيعاقبها بالضرب، والمأثور أن الأفيال تخشى الفئران، لسبب غير مفهوم علميًا، والذئاب تتجنب النيران، والقروش تهاب مخلوقات لطيفة للغاية، وهي الدلافين، التي ما إن تبصر سمكة قرش حتى تتجمع حولها أسرابًا، فتضربها بمناقيرها المدببة، ضربًا شديدًا قاسيًا، كأنه لكمات حتى تقتلها إثر إصابتها بتهتك أعضائها الحيوية، ومن ثم بالنزيف الداخلي.

وإذا كان المثل يُضرب بالدجاج في الجُبن، إلى حد أن الباكستانيين يصفون جيرانهم الهنود: أعداء اليوم، أبناء الوطن الواحد حتى أمس قريب، على سبيل الاستهزاء، بأن قلوبهم كقلوب الدجاج، فإنه يُضرب بالأسود في الشجاعة، ما حدا بشعرائنا العرب إلى التفنن في مديحها، ومنهم الصعلوك «بشر بن عوانة» الذي قتل أسدًا في البادية، فنظم يقول: «وَأَطْلَقتُ المهَّند مِنْ يَمِيني/ فَقَدَّ لَهُ من الأَضلاَعِ عَشْرَا/ وَقُلْتُ لَهُ: يَعزُّ عَلَي أَنِّي/ قتلتُ مُنَاسِبي جلَداً وَفَخرا/ فَلاَ تَجْزعْ، فَقَدْ لاقَيْتَ حُرًّا/ يُحَاذرُ أَنْ يُعابَ، فَمُتَّ حُرَّا».

لكن حتى الأسود مثال الشجاعة لديها ما يخيفها، والغريب أنها تهاب حيوانًا نباتيًا اسمه «النيص»، يبلغ طوله في المتوسط أربعين سنتيمترًا، وليست له مخالب أو أنياب، فسلاحه محض أشواك مدببة حادة كأشواك القنفذ، التي قد تجرح فكي ملك الغابة، فتحرمه القدرة على ابتلاع طعامه، ما يودي به إلى الهزال فتتطاول عليه حيوانات تافهة حقيرة، مثل الضباع آكلة الجيف، والتي قد يغريها ضعفه فتناوشه، وربما تنازعه سلطانه على عرينه.

الخوف إذن فطرة في جميع المخلوقات، والفرق بين الإنسان وغيره، هو أن خوفه مركب معقد، يخاف من المستقبل، ويخاف من الفقر، ويخاف من مديره، ويخاف من فقد عمله، وانقطاع رزقه، ويخاف من الضابط في الشارع، ويخاف من اهتزاز صورته في عيون الناس، ويخاف على أولاده، ويخاف من المرض، ويخاف من الموت، ويخاف من الحساب في الآخرة، ويخاف أيضًا من بطش الحاكم.

هذا الخوف الأخير على وجه التحديد، ظهر واضحًا في فيلم «شعب ورئيس» الذي قدمته المخرجة ساندرا نشأت، حين استقصت آراء المواطنين، وسألتهم: ماذا تريدون أن تقولوا للرئيس؟ فإذا بهم يردون ردودًا على شاكلة: «هنتحبس كلنا» أو «الطيب أحسن».

مشهد يؤكد بالدليل القاطع أن السيسي الذي كان يروي أنه دأب على أن يرد على الذين كانوا ينالون منه صغيرًا: «لما أكبر هاضربكم»، قد أصبح مصدرًا لبث الرعب في قلوب الناس، والمؤسف حقًا أنه كان حين يستمع إلى آراء الخائفين تلك، كان يضحك ملء شدقيه، بما يوحي بأن الطرب استخفه والسعادة استبدت به، تمامًا مثلما تناغي مشاهد الكاميرا الخفية القبيحة، نوازع الوحشية في نفوس عشّاق القسوة، فيقهقهون في سادية.

شاهد أيضاً

ترزي القوانين وتعديلات دستور العسكر!! كتبه عزالدين الكومي

“فتحي سرور” الذي تجاوز الثمانين من عمره، تاريخه معروف،فهو أحد أعضاء التنظيم الطليعى الناصرى، وبعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *