تركت حميدة بيجوم بيتها في ميانمار وفرت إلى بنجلادش منذ حوالي شهرين مع زوجها وابنها البالغ من العمر سنتان ورضيعها ابن الثلاثة أشهر. وفي الأسابيع التي سبقت الهروب لم يكن زوجها ينام في البيت خشية إلقاء القبض عليه.
ومضى عام على مجزرة الجيش الميانماري والميليشيات المسلحة ضد المدنيين في إقليم “أراكان” (25 أغسطس2017)، إلا أن المأساة ما زالت متواصلة بالنسبة إلى الأقلية المسلمة التي تتعرض لظلم واضطهاد ممنهج منذ أعوام.
وينتظر الأركانيون يد العون من العالم في ظل الظروف المأساوية التي يعيشونها بسبب ممارسات وانتهاكات السلطات الميانمارية.
واضطر معظم سكان أراكان إلى مغادرة أراضيهم جراء الظلم والضغوط الممارسة ضدهم منذ عام 1970، والهجرة إلى بلدان مجاورة.
وقالت حميدة (18 عاما) وهي تضع شالا أصفر على رأسها وترتدي رداء أرجوانيا وتجلس على أرضية كوخ من الخيزران يخلو من أي متاع “كان يتسلق شجرة ويجلس عليها طول الليل حتى إذا كان المطر غزيرا”، بحسب شبكة يورونيوز.
وتعيش حميدة الآن على أطراف أكبر مخيم للاجئين في العالم باعتبارها من أحدث الوافدين بين نحو 700 ألف مسلم من الروهينغا فروا من حملة شنها الجيش في ميانمار ووصفتها الأمم المتحدة بأنها “مثال صارخ على التطهير العرقي”.
ورغم ما تعلنه ميانمار من استعدادها لإعادة الروهينجا فإن استمرار وصول اللاجئين من أمثال حميدة وأسرتها يؤكد عدم حدوث تقدم في معالجة الأزمة بعد عام من بدء الهجوم في 25 أغسطس 2017.
وقد هدد نزوح الروهينجا الديمقراطية الوليدة في ميانمار وهز صورة زعيمتها أونج سان سو كي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، في الخارج.
تنديد دولي فارغ
وقال ريتشارد هورسي الدبلوماسي السابق الذي عمل في البلاد لحساب الأمم المتحدة ويعمل الآن محللا سياسيا “الأزمة ألحقت ضررا هائلا بمكانة ميانمار في العالم”.
ورفضت حكومة سو كي أغلب اتهامات اللاجئين لقوات الأمن بارتكاب فظائع. وأقامت مراكز مؤقتة لاستقبال العائدين من الروهينجا إلى ولاية راخين الغربية.
غير أن ما ترويه حميدة وغيرها من القادمين إلى بنجلادش يشير إلى أن حل الأزمة التي تدخل يوم السبت عامها الثاني لا يزال بعيدا. وبلغ عدد الفارين الذي وصلوا إلى بنجلادش 150 لاجئا في أغسطس واقترب العدد منذ بداية العام من 13 ألفا.
وقال أكثر من خمسة لاجئين جدد إنهم اضطروا بعد شهر من المعاناة وسط الأكواخ المتفحمة والقرى الخالية إلى هجر بيوتهم خوفا من مضايقات قوات الأمن أو من القبض عليهم.
وقالوا إنهم لم يبرحوا بيوتهم وضاق بهم الحال حتى كادوا يهلكون جوعا إذ عجزوا عن التوجه للمزارع للعمل أو إلى الأسواق وبرك صيد الأسماك بحثا عن الطعام أو حتى الذهاب إلى المساجد لأداء الصلاة.
موقف ميانمار
وتقول ميانمار إنها لم تكن الطرف البادئ في هذه الأزمة وإن جيشها شن عملية مشروعة للتصدي لتمرد عنيف من جانب أقلية الروهينجا التي يحُرم أغلب أفرادها من الجنسية.
وقال ميو نيونت المتحدث باسم حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية الذي تتزعمه سو كي “كان ذلك نشاطا ممنهجا من جانب جماعة بهدف حصول البنغاليين على الجنسية”.
ويشير كثيرون من ميانمار التي يشكل البوذيون الأغلبية فيها إلى الروهينجا بلفظ “البنغاليين” الذي تعتبره الأقلية المسلمة تحقيرا لها يستخدم لوصف أفرادها بالمتسللين من بنجلادش .
الخوف من إيقاد الشموع
حوّل طوفان اللاجئين الهائل التلال في جنوب شرق بنغلادش إلى بحر لا نهاية له من الخيام بألوانها الأبيض والبرتقالي والأزرق. ويوطد سكان المخيم أنفسهم على البقاء لفترة طويلة.
وعلى مقربة من كوخ حميدة يحمل رجال من الروهينجا الطوب ويحفرون مراحيض بعمق أربعة أمتار ويعملون على تدعيم جوانب التلال الطينية بكتل متماسكة من التربة ويصلحون الأسوار لإعداد مدرسة جديدة تديرها إحدى الجمعيات الأهلية.