بحرفية ماهرة، وأيدٍ لا تكاد تخطئ فنها الذي اعتادت عليه، تواصل السيدات المصريات اللواتي ينتمين إلى أسرة واحدة عملهن بدأب وإتقان استعدادا لرمضان، فبهجة الأطفال بالفوانيس في ذلك الشهر الفضيل تقوم على عاتقهن منذ 8 سنوات.. رغم أن جميعهن مسيحيات.
ورغم أنه من المعتاد أو المتوقع أن يقوم الصناع المسلمون قبيل رمضان بالاستعداد لإنتاج آلاف من فوانيس هذا الشهر المبارك، فإنه في مصر.. كسرت أفراد أسرة مسيحية مصرية تلك القاعدة بالسير على الدرب ذاته، وسط ابتهاج منهم بأن يصنعوا فرحة أشقائهم بالبلاد.
واكتسبت أسرة مسيحية شهرة في محافظة الفيوم (وسط)، بعدما تخصصت في صناعة الفوانيس منذ أكثر من 8 أعوام، وأصبحت تبتكر في صناعتها كل عام عبر ورشة مخصصة لذلك.
وفانوس رمضان المعروف تاريخيًا لدى المصريين، يعد من أهم مظاهر الاستعداد للشهر الكريم الذي هل منتصف مايو/ أيار الجاري.
ويقول نجل صاحب الورشة، «بسنتي هاني»، إنّ البداية كانت بافتتاح والده مكتبه عام 2011، لتصنيع البراويز الخشبية التي تحتوي على آيات القرآن، والإنجيل، بالإضافة إلى الميداليات.
وبعد 4 أعوام من افتتاحها، فكّر والده في تصنيع الفوانيس لتدر عليه ربحًا جيدًا، وتوفير التعب على تجار الفيوم الذين يضطرون للسفر إلى القاهرة كل عام لشراء الفوانيس، ويتحملون عناء ومصاريف السفر ونقل الفوانيس، ومشاركة المسلمين فرحة رمضان، وفقا لما نقلته وكالة «الأناضول».
وعن طريقة صناعة الفوانيس، أوضح «أيمن إيميل»، أحد الصناع بالورشة، أنّه يبدأ بتصميم الفانوس على جهاز الحاسب الآلي، ثم يُعطي أمر لآلة تقطيع الخشب والطباعة عليه لتُخرج لهم قطع الفانوس، ثم يتم تقفيلها حتى يخرج الشكل النهائي للفانوس.
ووفقًا لـ«إيميل» فإنهم يبتكرون في صناعة أشكال جديدة من الفانوس كل عام، مثل طباعة صور الطفل على الفانوس الخاص به، أو طباعة اسمه أو الإثنين معًا، أو طباعة صور بعض الأشخاص الكرتونية المُرتبطة بالشهر الكريم مثل «بكار».
والفوانيس منها ما يُصدر إضاءة فقط، ومنها ما يصدر إضاءة وأغاني رمضان الشهيرة «حالو يا حالو» و«وحوي يا وحوي»، ومنها الذي يصدر منه ضوء فقط، ويتم تصميم الفوانيس حسب أذواق المُشتري أو رغبة التجار.
وقررت الأسرة المسيحية، أنّ تجعل سعر الفانوس في متناول الجميع نظرًا لغلاء الأسعار، حيث يبدأ سعر الفانوس لديهم من 25 حتى 140جنيهًا حسب الحجم والشكل وفقا لـ«إيميل».
وأوضح أنهم كل عام يبحثون عمّا يحتاجه السوق أو ما سيشهد إقبالًا كبيرًا، ثم يتخيل الشكل ويرسمه قبل أن يقوم بتنفيذه، فمنذ العام الماضي بدأوا يطبعون صور الأطفال على الفوانيس، أو الزوجة والزوج معًا.
وأشار إلى أنّ الأوضاع الاقتصادية أثرت عليهم بشكلٍ كبيرٍ جدًا، فبعد ما كانوا ينتجون 15 ألف فانوس كل عام أصبحوا يصنعون 6 آلاف فانوس فقط، الأمر الذي اضطرهم إلى تخفيض الأرباح إلى 10% فقط بعدما كانت 15%.
وشرعت مصر خلال الأشهر الماضية في تنفيذ برنامج “إصلاح لاقتصادي”، شمل تحرير سعر صرف الجنيه، وتطبيق قانون القيمة المضافة، ورفع أسعار المواد البترولية والكهرباء، ما ساهم في تضاعف أسعار السلع والخدمات.
وتابع حديثه قائلًا: “العمل ليس فيه مسلم ومسيحي، ونحن والمسلمون أسرة واحدة، ونفرح بقدوم الشهر الكريم مثل المسلمين تمامًا ليس فقط من أجل تصنيع الفوانيس وبيعها، لكننا ننتظر مدفع الإفطار، ونفرح بالزينة المُعلقة في الشوارع”.
بدورها، قالت “إيريني”، زوجة صاحب الورشة، إنّ البيع تأثر لديهم كثيرًا بعد ظهور الفانوس الصيني المجسم، لأنّه يسير ويغني فيلفت نظر الأطفال كثيرًا، وينال إعجابهم، خصوصًا الأطفال حديثي السن الذين يهتمون بالصوت والحركة.
وأشارت إلى إقبال المواطنين والتجار على شراء الفانوس الخشبي منهم، لأنه أكبر حجمًا، وأرخص سعرًا من الصيني حيثُ يباع بـ 100 جنيه، مقابل 200 جنيه أو أكثر للفانوس الصيني.
وفي عام 2015، أصدرت وزارة التجارة والصناعة قرارًا بوقف استيراد المنتجات ذات الطابع التراثي، ومنها فوانيس رمضان، لتوفير الدولار وتشجيع الصناعة المحلية.
وبالفعل التزمت غالبية التجار خلال العامين الماضيين بالقرار، وانتشرت الفوانيس المصرية المصنوعة من الخشب إلا أنهم مؤخرا تحايلوا على القرار عبر شراء فوانيس على أنها لعب أطفال وليس بمسمّاها القديم.