لا يزال الجدل يسيطر على المشهد السياسي التركي، بعد إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن انتخابات رئاسية وبرلمانية مقبلة في الـ24 من يونيو المقبل، لتدخل معه أنقرة في سباق جديد بين الحزب الحاكم “العدالة والتنمية” وأحزاب المعارضة.
إعلان أردوغان عن انتخابات مبكرة لم يفهم أسبابه بعد، خصوصًا وأنه أتى في وقت تخوض فيه تركيا حربًا على حدودها الجنوبية ضد الجماعات الكردية التي تعتبرها أنقرة “إرهابية”..
أيضًا جاء إعلان الانتخابات المبكرة في وقت تتراجع فيه تركيا اقتصاديا، بحسب مراقبين.
التساؤل هنا: لماذا اتخذ العدالة والتنمية مثل هذا القرار المفاجئ؟ هل الحالة الاقتصادية التي تمرّ بها تركيا كما رأى محللون؟ أم أنّ أسبابا أخرى هي التي دفعت بالحكومة إلى ذلك؟
وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أيام، إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة في البلاد في 24 يونيو المقبل.
وقال أردوغان خلال مؤتمر صحافي: «نظرًا الى العمليات العسكرية التي نجريها في سوريا، والتطورات التاريخية التي تشهدها منطقتنا، يتحتم على تركيا تجاوز حالة الغموض في أسرع وقت ممكن».
تقديم الانتخابات
ومع تبنّي الرئيس التركي فكرة تقديم موعد الانتخابات، رغم انه كان يرفض هذا الخيار خلال الأشهر الماضية يكون اردوغان قد اقتنع بوجهة نظر الفريق المؤيد لتقديم موعد الانتخابات داخل حزب العدالة والتنمية، والذي يخشى من أن يؤدي الخلاف المتصاعد مع الولايات المتّحدة إلى استخدام الأخيرة أسلحة اقتصادية في وجه تركيا تؤدي إلى خلخلة الاقتصاد المحلي، مما يثير نقمة الناس على الحزب..
وعندها يمكن للحزب ورئيسه أن يتلقّيا ضربة قوية في الانتخابات المقبلة، ولن يكون هناك وقتٌ كافٍ لإصلاح الإضرار الناجمة عن مثل هذا الأمر، والحل الوحيد وفق هذا الفريق لإغلاق الباب على مثل هذا الاحتمال هو تقديم موعد الانتخابات لتحقيق الاستقرار المنشود، وإنهاء حالة الضبابية السائدة بخصوص الوضع الاقتصادي.
وبعد أيام من الإعلان عن موعد الانتخابات، وقّع أردوغان، وثيقة ترشحه للانتخابات الرئاسية المبكرة، ونشر أردوغان، عبر حسابه الرسمي على “تويتر”، بحسب وكالة الأنباء “الأناضول”، صورة له وهو يُوقّع وثيقة ترشحه ويقدمها لنائبي رئيس الكتلة البرلمانية للحزب، مصطفى إلي طاش، ومحمد موش.
وتوعد أردوغان وفق تقارير إعلامية، المعارضة في أولى لقاءاته بحملته الانتخابية بمدينة إزمير: “أعتقد أننا سنصنع تاريخا سياسيا في 24 يونيو بأصوات قياسية في الانتخابات البرلمانية والرئاسية”.
جبهة موحدة للمعارضة
على الجانب الآخر، تسعى المعارضة التركية لتخطي انقساماتها، وتشكيل جبهة موحدة في مواجهة أردوغان على أمل الإطاحة به، إذ تكثف أحزاب المعارضة لقاءاتها ومفاوضاتها للاتفاق على مرشح موحد، فقد أعلن حزب الشعب الجمهوري -أكبر أحزاب المعارضة- الأحد الماضي أن 15 من نوابه انضموا إلى حزب قومي جديد بزعامة وزيرة الداخلية السابقة أميرال أفشنار ليحصل على النواب العشرين الضروريين لتشكيل كتلة في البرلمان والمشاركة بالانتخابات المبكرة.
رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض في تركيا كمال أوغلو
ورغم الإعلان المفاجئ، حافظت أحزاب المعارضة على هدوئها، مؤكدة أنها واثقة من فرصها بالفوز على أردوغان وحزبه العدالة والتنمية اللذين اعتادا الفوز في كل الانتخابات منذ العام 2002.
وحزب الخير أسسته أفشنار في أكتوبر 2017 بعد أن انشقت عن حزب العمل القومي، ويعتقد محللون أنها قد تكون المرشحة الأوفر حظا لمنافسة أردوغان، ورغم لقاءاته مع أحزاب مختلفة، يبدو أن حزب الشعب الجمهوري سيدعم على الأقل في البداية مرشحه الذي سيكشف اسمه في الأيام المقبلة.
هذا، وبعد إعلان بعض رموز المعارضة دعم مرشح موحد، هاجم الرئيس التركي أكبر أحزاب المعارضة في البلاد، قبل أيام، بعد انضمام عدد من نوابه إلى حزب جديد تتزعمه سيدة توصف بأنها “المرأة الحديدية”، التي يتوقع كثيرون أن تمثل تحديا قويا لأردوغان في الانتخابات.
ودان أردوغان مناورات المعارضة ونقلت عنه صحيفة حرييت قوله “أن يهبط البرلمان إلى هذا المستوى أمر كارثي بالنسبة إلينا”.
وكان 15 نائبا من حزب الشعب الجمهوري المعارض انضموا إلى حزب الخير الناشئ، الذي تتزعمه المعارضة البارزة، ميرال أكشينار، وذلك في محاولة لتمكين حزبها من المشاركة في الانتخابات المقبلة. وفق سكاي نيوز.
ومن جانبه الكاتب (محمد أوجكتان) لفت إلى أهمية الانتخابات المبكرة بصرف النظر عمن سيُنتخب رئيسا للجمهورية التركية، مؤكدا على أنّ مصلحة تركيا تقتضي التعامل مع الغرب لا مع روسيا.
وقال أوجكتان في السياق نفسه: “إنّ موقف تركيا من أمريكا بات معلوما بسبب دعم الأخيرة للوحدات الكردية في سوريا، ولكن لا يمكن تفسير توجّه تركيا لمجرّد كونها غضبت من حلفائها الغربيين نحو المحور الروسي من وجهة نظر جيوسياسية، فسواء من وجهة نظر تاريخية أو من خلال تحليل المعايير العالمية الحالية فإنّ مصالح تركيا الاقتصادية والسياسية لا تتوافق إلا مع المحور الغربي لا الروسي.
علاقة تركيا بالغرب
وأضاف أن تصريح الرئيس أردوغان في الـ 12 من أبريل كان في غاية الأهمية حيث قال حينها (لا رغبة لتركيا بالتخلي عن العمل المشترك مع حليفتنا أمريكا، ولا عن العمل المشترك مع روسيا في مجالات الطاقة وغيرها، ولا مع إيران التي لها دور كبير في المنطقة، فعلاقاتنا مع روسيا والصين وإيران ليست بديلة عن علاقاتنا مع الغرب)”. وفقا لوكالة أورينت.
على الجانب الآخر، ومع إعلان الرئيس أردوغان عن موعد الانتخابات، تحدثت تقارير إعلامية تركية عن نية ترشح الرئيس التركي السابق عبد الله جول في الانتخابات، وهو ما نفاه الرجل مؤخرا، حيث أعلن جول أنه لن يكون مرشحا للانتخابات الرئاسية المبكرة المقرر عقدها في يونيو المقبل، وقال جل في مؤتمر صحفي عقده بمدينة إسطنبول قبل أيام، إنه كان ينوي ذلك في حال وجد اتفاقا كبيرا على ترشيحه.
عبد الله جول
وأكد الرئيس السابق أنه لم يخطط لموضوع التقدم مرشحا محتملا من قبل حزب السعادة بالانتخابات المبكرة المقبلة، وأضاف “بعض الأشخاص الذين يثقون في تجربتي ونظرتي السياسية في إدارة الدولة من محيطي تقدموا بمثل هذا الطلب، ووقتها قلت لهم إنه في حال كان هناك توافق واسع وكبير بشأن ترشيحي فإنني ومع أصدقائي سوف نقوم بتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقنا ولن نتهرب منها”.
هذا وقد نشرت الجريدة الرسمية التركية قبل أيام، قرارات اللجنة العليا للانتخابات بشأن الجدول الزمني لانتخابات الرئاسة والبرلمان المبكرة، حيث إن أمام الأحزاب مهلة إلى 21 مايو المقبل لإبلاغ اللجنة بقوائم مرشحيها للانتخابات.
العدالة والتنمية
وقالت اللجنة العليا إن الأحزاب المستوفية لشروط المشاركة بالانتخابات هي العدالة والتنمية، تركيا المستقلة، الوحدة الكبرى، الشعب الجمهوري والديمقراطي، الشعوب الديمقراطي، الخير، الحركة القومية، السعادة، الوطن، الدعوة الحرة.
يذكر أنّ موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية معًا، كان من المقرر أن يجري في نوفمبر 2019. إلا أنّ استفتاء 16 أبريل 2017 الذي نجح بإقرار النظام الرئاسيّ مكّن زعماء الأحزاب السياسية من الحديث عن انتخابات مبكرة.
وشكل حزبا “العدالة والتنمية” و “الحركة القومية” في الــ20 من فبراير الماضي تحالفا أطلق عليه “تحالف الشعب” لخوض الانتخابات معا.
وتعتبر الانتخابات المقبلة حاسمة في تاريخ تركيا، لأنه من المقرر بعدها البدء بمنح رئيس الدولة مزيدا من السلطات وفق استفتاء 2017.
ويتيح هذا التعديل الدستوري لأردوغان (64 عاما) الترشّح لولايتين رئاسيتين أخريين من خمس سنوات. وأردوغان في السلطة منذ عام 2003، أولا رئيسا للحكومة، ثم رئيسا للبلاد.