الراصد لتوجهات الصحف الموالية للعسكر يدرك أن بعضها مثل صحيفة “الوطن” لها توجهات عدائية صريحة ضد الأزهر كمؤسسة ومشيخة، بينما صحف أخرى لها توجهات مختلفة وتدعو لضرورة الحفاظ على مؤسسة الأزهر على الأقل في الظروف الراهنة حتى لا يفهم أن الحرب الدائرة الآن مع الإسلاميين وعمليات الانتقام الشرسة منهم هي حرب على الإسلام.
كل صحيفة أو فضائية تعبر عن توجهات الجهاز السيادي الذي يرعاها ويمولها، فمعلوم أن الأجهزة الأمنية «السيادية» لها امتدادات إعلامية من الصحف والمواقع والفضائيات تستهدف بها التعبير عن توجهاتها تحت لافتة “حماية الدولة ودعم مؤسساتها” التي سطا عليها العسكر بانقلاب 30 يونيو 2013.
فالأمن الوطني له نفوذه على صحف وفضائيات والمخابرات العامة لها شبكة إعلامية ضخمة تأسست بعد ثورة 25 يناير مباشرة من أحل استرداد الدولة من الشعب لأحضان الأجهزة والنظام السابق. كذلك للمخابرات الحربية نفوذها على الجميع باعتبارها معبرة عن المؤسسة العسكرية “الجيش”.
مراكز القوى هذه يمكن أن تختلف توجهاتها أحيانا أو تختلف قراءتها لطبيعة التعامل مع مؤسسة مدنية كالازهر مثلا أو حتى توزيع أدوار مدروس؛ حيث يقوم البعض بالضغط على “الأزهر والتحامل عليه، كما تفعل صحيفة “الوطن” باستمرار، بينما يتحفظ آخرون عن انتقاد الأزهر؛ في مشهد يستهدف بالأساس ابتزاز المؤسسة الدينية الإسلامية الرسمية حتى تكون أكثر طوعا للنظام واستقامة على منهجه في الحكم، توالي من يواليه وتعادي من يعاديه سواء في الداخل أو الخارج على حد سواء بل عدم التصدي للنظام حال قرر تجاوز الإسلام ذاته ومولاة الأعداء لا سيما مع ضغوط الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب لتمرير صفقة القرن والدور المشبوه لحكم العسكر وبعض أمراء الخليج في التواطؤ مع الأعداء على حساب الأمة ومقدساتها ودينها وحضارتها.
ولعل الهدف هو الإطاحة بالشيخ أحمد الطيب وقيادة المشيخة الحالية وهيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية والإتيان بمن هم هم أكثر طوعا وخضوعا من أمثال مختار جمعة وزير الأوقاف الذي لا يتحرك إلا بأوامر من الأمن الوطني ومستشار السيسي للشئون الدينية أسامة الأزهري الطامح لخلافة الطيب وتولي قيادة المشيخة.
اتهام الخطاب الديني لا السياسي
لكن العامل المشترك بين جميع الصحف بلا استثناء هو الترويج المستمر (على غير الحقيقة) أن المعركة الدائرة الآن في مصر والتي تأخذ أشكالا وصورا متعددة هي حرب تتعلق بالخطاب الديني لا السياسي، تتعلق بالفكر المتطرف والسلوك الإرهابي لجماعات وحركات “إسلامية” وليس بانقلاب عسكري دموي أجهض مسارا ديمقراطيا ونسف أحلام جيل كامل من شباب مصر في الحرية والعدالة.
تفسير ذلك يعود إلى مصلحة نظام العسكر في تصدير أزمة الخطاب الديني للعالم عموما وأمريكا وأوروبا على وجه الخصوص. واستبعاد أي حديث عن أزمة الخطاب السياسي (الذي هو بالأساس سبب كل أزمات مصر والعالم العربي والإسلامي).
لأن الحديث عن أزمة الخطاب السياسي سوف يفتح أبواب الحديث عن المظالم والانتهاكات الخطيرة وغير المسبوقة بحق ملايين المصريين الأبرياء الذي يحلمون بوطن حر مستقل السيادة فيه للشعب حقا وليس ادعاء يتمتع بالحرية للجميع دون إقصاء وتسوده العدالة ويتكافأ الجميع أمام التوزيع العادل للثروات والفرص المتاحة السياسية والاقتصادية وغيرها.
ولا شك أن الترويج لأكذوبة اتهام “الخطاب الديني” بالأزمة التي تمر بها مصر والأمة حاليا هو بالأساس مخاطبة للغرب والأمريكان الذين يرحبون بكل صور القمع والاستبداد التي يكون ضحاياها إسلاميون، كما لها مواقف مخزية سابقة بقبول الانقلاب على الديمقراطية وأصوات الشعب في البلاد العربية، حدث ذلك في الجزائر عام 91، وفلسطين عام 96، ومصر في 2011 و2012.
الدور على الأزهر
يعزز ما ذكرنا، التقرير الموسع الذي نشرته صحيفة “الوطن في عدد اليوم الأحد 24 ديسمبر 2017م، والذي جاء بعنوان «بالمستندات.. مهزلة أزهرية جديدة.. لجنة تطوير المناهج التى شكلها “الأعلى للأزهر” تحذف “المواطنة وقبول الآخر” من كتب “الابتدائى” و”أبوزيد”: أعضاؤها “متطرفون”.. خبراء يدعون لتطهير المؤسسة من “الإخوان” و”هندى”: 6 آلاف “معيد” إخوانى فى الجامعة ونواب يطالبون “الطيب” بالتحقيق».
فالصحيفة الموالية للأمن تتخذ من عداء مؤسسات الدولة التي سطا عليها العسكر عبر الانقلاب الدموي على الإخوان للتحريض على الأزهر كمؤسسة ومشيخة. ورغم عدد كبير من الوطنيين مع توجهات مشيخة الأزهر ومشاركة أحمد الطيب في مشهد الانقلاب الفاجر، إلا أن ذلك لا يمنع من ضرورة الاصطفاف مع الأزهر كمؤسسة لأن هدمها الآن وفي ظل المعطيات الدولية الحالية هو انتصار لأعداء الأمة الذين يستهدفون الإسلام ذاته والأمة نفسها عبر تواطؤ حكام العرب المستبدين.