رغم مئات المليارات من الدولارات التي أنفقتها للهيمنة على المنطقة والعالم العربي والإسلامي ما زالت الخسائر السعودية تتوالى، خاصة بعد عودة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري مرة أخرى للبنان بعد إجباره في الرياض على تقديم استقالته، ووضع النظام السعودية لـ”الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” على قوائم الإرهاب مع عدد من علماء الإسلام والهيئات الخيرية الأخرى، وزيارة الناشط الصهيوني للمسجد النبوي، في الوقت الذي تمنع فيه زيارة علماء المسلمين، فضلا عن انقلاب القصر الذي قام به ولي العهد محمد بن سلمان ضد عدد من العلماء والدعاة، ثم الأمراء ورجال الأعمال.
ومع المواقف السعودية الكاشفة لحقيقة النظام الحاكم في الوقت الحالي تحت قيادة بن سلمان، الذي زار الكيان الصهيوني سرا بوساطة إماراتية كما كشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية، فقدت السعودية إرثها وتأثيرها على التحالف السني على مستوى العالم الإسلامي، بعد الدخول في الحلف الإسرائيلي، بزعم الحرب على الإرهاب.
خسارة الملف اللبناني
يقول الكاتب الصحفي عبد الناصر -سلامة رئيس تحرير “الأهرام” الأسبق- إنه على عكس ما قد يتصور البعض أن المنطقة مقبلة على حروب أو مواجهات جديدة، فالعكس سيحدث تمامًا، مؤكدا أن هناك محورًا للعقل العربى سوف يتشكل فى المنطقة، إن عاجلاً أو آجلاً، يضم مصر وسوريا والعراق وليبيا ولبنان وفلسطين، بمباركة من تركيا وإيران، سوف يستتبعه بالتأكيد تأييد من دول خليجية ثلاث، هى سلطنة عمان والكويت وقطر، ويمتد حتى تونس والمغرب والجزائر.
وأضاف -خلال مقاله بصحيفة “المصري اليوم”- أن هذا الحلف سيتشكل فى الوقت الذى سوف تجد فيه ثلاثية السعودية والإمارات والبحرين نفسها فى وضع آخر مختلف، لأسباب طائفية أو شخصية، أو بالوكالة عن آخرين من خارج المنطقة، إلا أنها سوف تكون مضطرة، ولو بعد حين، إلى الجلوس حول مائدة مفاوضات، مع كل من اليمن وإيران وحزب الله.
فيما ذكر الكاتب الصحفي عاطف الحملي، المتخصص في الشأن العربي والدولي، أن تعليق الحريري لاستقالته بعد عودته للبنان.. لا يعطي السعودية فقط دروسا مهمة.. ولكن أيضا للمهللين لها والمعولين على دورها كمنقذ لشعوب المنطقة.
وأشار الحملي -خلال تدوينة على “فيس بوك”- إلى أن الدرس السياسي للسعودية كان زعزعة رابطها التاريخي مع سنة لبنان عبر اعتبارهم بشكل صريح إحدى أوراق اللعب مع إيران في المنطقة، وحائط الصد أمام حزب الله.. دون تنسيق لوضع بدائل للحريري.. وقبل أن تمثل عودته تحديا صريحا لرغبتها.. وهزيمة دبلوماسية لها من الطراز الأول أمام إيران والمجتمع الدولي بأسره.
وأضاف أن هذه الخسارة ربما لا تبالي بها السعودية، رغم أهميتها، حيث تراهن الرياض هنا على عدم قدرة سنة لبنان الانفصال عن السعودية أو التحرك بعيدا عنها، إلا أن التركيبة السياسية الطائفية في لبنان والدعم الإيراني لشيعة لبنان وبالأخص حزب الله سيحافظان لها على هذا الوجود، موضحا أن ما فعلته السعودية كان أعمق وأكثر إيلاما لسنة لبنان، حيث مثلت طعنة أو هزة سياسية للقوى السنية في لبنان أمام خصمها التقليدي (حزب الله).
وأكد أن السعودية تخسر تدريجيا هذا الملف عبر استخدام سياسة العصا والجزرة بأقبح صورها.. فاستقالة الحريري من الرياض سبقها منذ نحو عامين وقف المساعدات السعودية للجيش اللبناني لعدم قيامه بالدور المنشود منه، مؤكدا أن السعودية نصبت نفسها ملكا على كل بلدان المنطقة.. ودفعها خوفها من ثورات الربيع العربي إلى فرض مسارها الوحيد على كل البلدان التي انتفضت شعوبها.. خشية وصول تلك الثورات إليها، في الوقت الذي استضافت علي عبد الله صالح بعد الثورة اليمنية وعالجته أيام الملك السابق.. قبل أن يعود ليتحالف مع الحوثيين ضدها ويجبرها على الدخول في حرب لم تحقق سوى الدمار لليمن في عهد الملك الحالي.
وقادت السعودية كل التحركات في مصر ليس فقط لإفشال الثورة.. ولكن لفرض إرادتها على شعب بأكمله سواء بعد الثورة أو بعد انتهائها، ففرح كثيرون من كارهي ثورة يناير بالدعم السعودي.. قبل أن تقطع البترول عن مصر بعد تصويتها لصالح قرار روسي في مجلس الأمن.
وقال الحملي إن العقاب السعودي فوري.. وهو العصا لمن لا تفلح معه الجزرة، موضحا أن هذه المملكة التي تريد أن تحكم الجميع بأموالها، تتفكك الآن.. ليس فقط بصراعاتها الداخلية ولا بخسارة ملفاتها الخارجية.. ولكن بفقدان قوتها الناعمة.
من يأمنها؟
وفي غضون ذلك، أقدمت السعودية على خطوة جديدة في حربها على تحالفها السني، حيث أعلنت السعودية ومعها دول الحصار الأربع وضع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والمجلس الإسلامي العالمي “مساع” الذي يندرج تحته العشرات من الهيئات الخيرية والإسلامية والتربوية العالمية، على قوائم الإرهاب.
في الوقت الذي تبدأ فيه السعودية بقيادة محمد بن سلمان ولي العهد عهدا جديدا مع اليهود والصهاينة، بتبادل الزيارات السرية والمعلنة، وفتح أراضي الحرمين لنشطاء صهاينة، الأمر الذي أثار غضب ملايين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
وكشف الناشط الإسرائيلي بن تسيون تفاصيل زيارته إلى المملكة العربية السعودية، والتقاطه صورا أثارت جدلا واسعا، من داخل المسجد النبوي، بعدما أثار حفيظة رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الذين استهجنوا واستغربوا من السماح له بدخول المسجد النبوي، حيث أكد أنه جاء إلى السعودية للقاء أصدقاء وزملاء دراسة قدامى، مضيفا أنه وصل إلى مطار الملك خالد بالرياض عن طريق جواز سفر من دولة أوروبية يحمله، دون إبراز الجواز الإسرائيلي لموظفي الجوازات.
في الوقت الذي تجاهل فيه الإعلام الصهيوني أو النظام الرسمي التعليق على زيارة الناشط الصهيوني للمسجد النبوي، رغم الصور والفيدوهات والنساء السعوديات اللائن ظهرن بجواره.
وعلق المؤرخ الإسلامي محمد مختار الشنقيطي على زيارة الناشط الصهيوني قائلا: “من المؤكد أن صديق محمد بن سلمان الإسرائيلي الذي جلبه إلى المدينة المنورة قد زار قصر كعب بن الأشرف سيد قبيلة بني النضير اليهودية، فهو من الآثار التاريخية المصونة في المدينة برعاية السلطة #السعودية، رغم تفريطها في أغلب الآثار الإسلامية في بلاد الحرمين!!”.
فيما قال الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي -الذي خرج من السعودية خوفا من الاعتقال- “فقدان الحرية والشعور بالعجز لم يعد محتملاً في #السعودية.. وأقول للمسئول الأول في بلادي إنه لأمر صحي أن تحافظ على من يقدم رأيًا آخر، لأنه هو من يدلك على الطريق الصحيح وليس من يكرر ما يطلب منه فقط”.