الرئيسية / المقالات / اعتذار لكريم يونس بقلم: فهمي هويدي

اعتذار لكريم يونس بقلم: فهمي هويدي

أعانى من الخجل وينتابنى شعور بالذنب لأن اسم كريم يونس سقط من ذاكرتى. ذلك أن المناضل الفلسطينى حين يقضى فى السجون نحو ٣٥ عاما. بحيث يصبح أقدم سجين فى العالم وربما فى التاريخ، من حقه أن يتحول إلى أيقونة فى العالم العربى على الأقل. فلا تختفى صورته ولا ينسى اسمه، وتظل قصته رمزا ملهما للأجيال المتعاقبة. صحيح أنه ليس الوحيد فى الأسر، لأن السجون الإسرائيلية تحتوى على أكثر من ثمانية آلاف أسير فلسطينى (بينهم ٢٤٠ طفلا و٧٣ امرأة وفتاة) وجميعهم مناضلون نحنى لهم رءوسنا إجلالا واحتراما، إلا أن كريم يظل أقدمهم وأطولهم عمرا فى أقبية تلك السجون.

إذا قال قائل بأن بيننا من نسى القضية برمتها ومن ثم ينبغى ألا نستكثر على أنفسنا أن ننسى بعض رموزها، فردى عليه إن الملاحظة صحيحة وخاطئة فى الوقت ذاته. ذلك أنها إذا كانت تعبر عن واقع حاصل فى زماننا، إلا أنه واقع بائس من الخطأ أن يعتبر معيارا للحكم. إذ القياس الجاد ينبغى أن يكون مرجعه ما يتعين أن يصير إليه الأمر وتقتضيه الأمانة والمروءة والواجب.

الفضل فى تذكيرى بكريم يونس يرجع إلى «يوم الأسير» الذى يحتفل به الفلسطينيون فى السابع عشر من شهر إبريل كل عام. وهو التاريخ الذى نجحت فيه المقاومة الفلسطينية (عام ١٩٧٤) فى إطلاق سراح الأسير محمود بكر حجازى فى أول عملية لتبادل الأسرى مع العدو الصهيونى. بعد ذلك التاريخ بتسعة أعوام (فى الأول من شهر يونيو عام ١٩٨٣). اقتحم الإسرائيليون بيت أبيه فى بلدة «عارة» بالمثلث الشمالى وراء الخط الأخضر، باحثين عن كريم. وحين قيل لهم إنه يدرس بجامعة بن جوريون فى بئر سبع،

فإنهم اختطفوه من هناك فى اليوم التالى، بعد ذلك وجهت إليه تهمة قتل جندى إسرائيلى بالاشتراك مع آخرين. وحكم عليه بالإعدام شنقا. وهى العقوبة غير المنصوص عليها فى القانون الإسرائيلى ــ إلا أن القضاء فعلها لأنهم أرادوا ترويع الفلسطينيين فى الداخل. وبالفعل ظل كريم مرتديا بدلة الإعدام الحمراء لعدة أشهر، فى انتظار أن يساق إلى حبل المشنقة. لكن استئناف الحكم أدى إلى تخفيفه إلى السجن المؤبد، الذى قيل إنه عقوبة تستمر أربعين عاما. بما يعنى أنهم أرادوا أن يستبدلوا الموت البطىء بالموت الفعلى.

منذ ذلك الحين وكريم قابع فى سجون إسرائيل التى تنقل بينها جميعا (٢٢ سجنا) ضمن عمليات التنكيل به وكسر إرادته. إلا أن المناضل العنيد ظل صامدا فى زنازينها. بل ظل يقاتل من خلال معركة الأمعاء الخاوية، حيث خاض ٢٥ إضرابا عن الطعام. أحدثها الإضراب الذى أعلنه الأسرى فى الأسبوع الماضى، وكان هو مع مروان البرغوثى القيادى فى فتح فى مقدمة الأسرى القابعين فى زنازين سجن «الجلمة»، الذين أصروا على تحدى سياسات التنكيل والتسويف التى تتبعها إسرائيل مع الفلسطينيين.

فى الأسبوع الماضى قال كريم يونس لأمه التى جاوزت الثمانين عاما وحفيت قدماها وهى تزوره كل أسبوعين فى السجون التى ينقل إليها. إنه مستعد لأن يبقى مائة عام أخرى فى السجن، ولا يستخدم كورقة لابتزاز الفلسطينيين والتفريط فى حقوقهم. وفى كهولتها التى جفت معها دموعها فإنها ما عادت تتمنى شيئا سوى أن تحتضن ابنها الذى لم تعد تراه إلا من خلال اللوح الزجاجى، بعدما فقدت الأمل فى أن تزوجه كما زوجت بقية إخوته.

أكثر ما حز فى نفسى ما قرأته عن غضب الرجل ولومه للقيادات الفلسطينية التى بدت وكأنها نسيته، واستسلمت لمراوغات الإسرائيليين الذين استثنوه من عمليات تبادل الأسرى أكثر من مرة. إذ كان ولايزال حرصهم أكبر على إذلال المقاومين الفلسطينيين الذين ينطلقون من قرى الخط الأخضر ويحملون الجنسية الإسرائيلية رسميا. ذلك أنهم بممارساتهم يعلنون عن فشل سياسة التذويب والترويض ويذكرون إسرائيل بجريمتها التاريخية والكبرى.

كريم يونس وزملاؤه محقون فى عتابهم على القيادات الفلسطينية، بل وعتاب العرب الذين صاروا «أصدقاء» لإسرائيل، لأنهم بدورهم نسوا الأسرى. ولئن جرى الاحتفاء عالميا بالزعيم الإفريقى الجنوبى نيلسون مانديلا الذى قضى فى السجن ٢٧ عاما، فإن سجينا مثل كريم يونس الذى قضى نحو ٣٥ عاما حين شارك فى الدفاع عن كرامة شعبه ووطنه يظل أجدر بالتكريم، إن لم يكن بإطلاق سراحه، فعلى الأقل دفاعا عن القيم النبيلة التى تصدى بنفسه للدفاع عنها. وإذا قصر هؤلاء وهؤلاء فلا أقل من أن نعلن نحن تضامننا معه وكل زملائه. واعتذارنا عن العجز والوهن الذى أصاب أمتنا وحولنا جميعا إلى أسرى فى أوطاننا.

شاهد أيضاً

ترزي القوانين وتعديلات دستور العسكر!! كتبه عزالدين الكومي

“فتحي سرور” الذي تجاوز الثمانين من عمره، تاريخه معروف،فهو أحد أعضاء التنظيم الطليعى الناصرى، وبعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *