رصد تقرير صحفي الجانب الإنساني بين المعتقلين وأسرهم خلال نظر قضاياهم في قاعات المحاكم، والتي تعتبر فرصة للقاء القلوب المتلهفة على رؤية أحبابها خلف أسوار القسوة وكسرة القلب التي أنتجتها دولة الظلم بعد الانقلاب العسكري، والتي تعزل صوت الحبيب عن إطراب أذن حبيبه عن طريق هذا العازل الزجاجي اللعين، لتكون لغة الإشارة هي البديل الوحيد للقاء القلوب والعيون.
وقال التقرير المنشور على صحيفة “هافينجتون بوست” الأمريكية، اليوم الإثنين: إن هذه الإشارات أصبحت هي السبيل للقاء القلوب المنكسرة بأوامر القاضي والجلاد الذي يتحكمون بالصوت داخل هذا القفص الزجاج، وظهرت تلك الإشارات المغلفة بـ”حكم العاطفة” وفق خبيرين في علمي الجسد والنفس، والتي ارتدت أثوابًا عديدة بين زوجة تلوح لزوجها المحبوس بتشابك اليدين لرسم شارة القلب أو رمي قبلة، عبر ضم كف اليد وتقريبها من الفم وإعادتها له أو العكس، وأخرى بقبضة اليد أو التلويح باليدين أو ضم اليدين للصدر (الاشتياق) أو التنبيه بخاتم (الخطبة أو الزواج) في إصبع البنصر.
وأضاف التقرير أنه ساعد على رصد تلك الإشارات عدسات المصورين، الذين يدخلون جلسات تلك المحاكم، والتي كانت بمثابة لافتة جديدة مؤثرة لا يمكن أن تتخلى عنها عدسة مصور، وفق أحد مصوري تلك الجلسات الذي تحفظ على ذكر اسمه، مسترجعًا تاريخ تلك الإشارات، منذ 3 سنوات، حتى صارت لكثرة الإشارة قيمة ملفتة لدى المصور وكأنها تحكي بالإشارة قصة مشاعر حقيقية”.
وتابع: “من بين إشارات اليدين التي التقطناها إشارة بقبلات وأحضان ووداع، وكل شيء يخص المشاعر، بين المسجون، الذي يقف خلف قفص زجاجي، وأهله وأطفاله الذين سمحت المحكمة لهم”.
وأوضح أنه “بات من الطبيعي مع دخول الأهالي لقاعة المحكمة الفترة الأخيرة أن تسمع كلمة شاور يلا (هيا أشر) بين الأسر وزوجات وأطفال المحبوسين”، مضيفةً أنه في إحدى جلسات محاكمة اغتيال النائب العام السابق هشام بركات، يدخل القفص الزجاجي (الذي يمنع خروج الصوت خارجه) ذلك الشاب المعارض “أحمد طه وهدان”، 28 عامًا، الذي تم توقيفه على ذمة القضية منذ أشهر، ويبحث بعينيه عن زوجته وأسرته اللذين لم يرهما منذ فترة عقب القبض عليه، ويستمر يلوح بيده لعلهما يجدانه.
ولفت إلى أن رنا جريش (24 عامًا) زوجة أحمد، تروي تلك المواقف الصعبة السابقة، وكيف تقتنص بهذه الإشارات فور ظهور زوجها في محبسه؛ لتعبر عن ذلك الاشتياق لرؤية طفلته ليلى التي لم تكمل عامها الأول بعد؛ حيث ولدت في غياب والدها، مضيفةً: “أغلب الوقت الزيارات ممنوعة، ولم نجد غير الإشارة طريقة للتعبير والتواصل والاطمئنان في قاعة المحكمة”.
وعن أصعب المواقف، تنقل رنا أزمة زوجها أحمد، وهو أحد الذين اشتهروا بإشارة رسم اليدين للقلب، إثر غيابها عنه للولادة في الجلسة الثانية للمحاكمة واندفاعه للسؤال عنها باستخدام الإشارة، حسب أسرته، وتمضي قائلةً: “كان ينتظر مولودته الأولى ليلي ولم يرني, وظل يلوح بيده من خلف القفص الزجاجي للسؤال عني، فتواصلت أسرة أحمد معه بالإشارة لتطمئنه بأنه ينتظر مولودًا”.
وتابعت: “جئت في الجلسات التالية، ومعي ليلى ابنتنا، وكانت الفرحة أشد، وكانت الإشارة هي أفضل السبل للتعبير عن أشواقنا وأفراحنا لنا ولوالدته وللأسرة، وكثير مثلنا من أسر المحبوسين يفعل ذلك؛ لأنه لم يجد حلاً آخر في ظل تباعد فترات الزيارة في مقر الحبس أو إلغائها، حسب جريش.
ويقبع خلف السجون بمصر، منذ الانقلاب على الرئيس بمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيًا، في 3 يوليو 2013 آلاف من المعارضين وفق بيانات معارضة وحقوقيين، في قضايا هزلية قتل على إثرها عشرات المعتقلين في السجون ويعذب عشرات الألاف حتى الآن وسط صمت المجتمع المصري والدولي.
التعليقات / عدد التعليقات (0)
|