الرئيسية / المقالات / التسويق فى حياة الدعاة بقلم: د. فتحي أبو الورد
د. فتحي أبو الورد

التسويق فى حياة الدعاة بقلم: د. فتحي أبو الورد

قرأت هذه الأسئلة وأنا أتصفح إحدى الصفحات: هل تستخدم هاتفك الجوال أثناء القيادة؟ هل تعلم أن الانشغال بالهاتف الجوال من أبرز أسباب الحوادث المرورية؟ هل تعلم أن مخالفة التحدث بالهاتف أثناء القيادة تبلغ 500 ريال؟

جهاز البلوتوث المرفق مخصص لمن يرغب بالتحدث في الهاتف أثناء القيادة، يمكن توصيل جهازين في سيارة واحدة، صوت واضح ونقي جد، سهل التوصيل ولا يحتاج أي ضبط، يمكن تثبيته في أي مكان في السيارة، يعمل لمدة 20 ساعة تحدث دون الحاجة لشحن، يمكن شحنه من ولاعة السجائر في السيارة، مزود بمنفذ بشحن USB، تذكر أن تعود سالما لأولادك سعر المبيع كذا، السعر مع التوصيل لأي منطقة في الدوحة كذا، الكمية محدودة جدا.

هذا لون من ألوان التسويق الذى يعرف بأنه فن البيع وهو يرتكز على اكتشاف رغبات العملاء والعمل على تطوير منتج من المنتجات أو خدمة من الخدمات التي تشبع رغباتهم، وتقنعهم بالإقبال على الشراء، فضلا عن تحقق الربح المستهدف للمؤسسة. وهو يتخذ إظهار فوائد المنتج، وإبراز استخداماته، وعرض مزاياه، وسائل للدخول إلى عقل المشترى وقلبه وجيبه، مما يغريه بالشراء.

هذا علم يدرس الآن، وقانون يعطي نتائج إيجابية، ونحن بحاجة فى دعوتنا إلى الوقوف على هذا النوع من العلوم، وذلك يبدأ من حسن عرضها، وإبراز محاسنها، وعرض مزاياها فى الدنيا والآخرة، نحن بحاجة إلى مخاطبة العقل إلى جوار القلب والعاطفة فى دعوة الآخرين. فقد يكون عدم النجاح فى الوصول إلى العقول والقلوب راجعا إلى صاحب الدعوة نفسه وذلك بإهماله الأخذ بوسائل النفاذ إلى النفوس، وعدم وقوفه على خصائص المدعوين، أو البيئة التى ينشط فيها، وقد قيل فى ذلك: الدعوة قضية ناجحة تحتاج إلى محام ماهر.

وفى الأخير يبقى أن التوفيق والسداد من عند الله تعالى، وذلك أيضا مرهون بإخلاص الداعية، وصدق العمل فى دعوته، وحرارته ورغبته الشديدة فى إيصالها للآخرين، وصدق لجوئه إلى الله تعالى (اصدق الله يصدقك).

حكت كتب السيرة النبوية أن جعفر بن أبى طالب كان من أوائل المسوقين لدعوة الإسلام، الذين أحسنوا عرض رسالة الإسلام، وأقنعوا العقول، وحركوا القلوب، واستجاشوا العواطف، وسوقوا دعوتهم أمام الخصوم والملوك على حد سواء، فنجح فى ذلك أيما نجاح، حين أرسلت قريش تطالب النجاشى بتسليم المسلمين الجدد الذين لاذوا بحماه فى مملكته فى أرض الحبشة.

قال جعفر بن أبي طالب -وكان هو المتكلم عن المسلمين-: أيها الملك، كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل منا القوي الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله وحده، لا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام -فعدد عليه أمور الإسلام- فصدقناه، وآمنا به، واتبعناه على ما جاءنا به من دين الله، فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به شيئا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا، وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك.

إلى هنا نجح فى عرض مبادئ دعوته، وخاطب العقول، وتواصل الحوار؛ فقال له النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ فقال له جعفر: نعم! فقال له النجاشي: فاقرأه عليّ. فقرأ عليه صدرا من {كهيعص} فبكى النجاشي حتى اخضلت لحيته، وبكت أساقفته حين سمعوا ما تلا عليهم، وهذا نجاح آخر خاطب القلوب، فاستدر الدموع.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل وصل الأمر إلى تسليم السامعين لكل ما قال، وتصديقه فى كل ما أتى، حيث قال له النجاشي: إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة. ولم تكن تلك نهاية الأمر؛ بل كان هناك من الملك ما هو أبعد من ذلك، حين قرر على الملأ أنه لن يسلمهم، ولن يخذلهم، وسيدافع عنهم، فقال لعمرو بن العاص وعبد الله بن ربيعة انطلقا، فلا والله لا أسلمهم إليكما.

ثم عزم عمرو وصاحبه على أن يوقعا بين المسلمين والنجاشى فى أمر يخص العقيدة، ظنا منهما أن هذه ضربة فى مقتل، ولن يسع النجاشى بعد ذلك الاستمرار على موقفه منهم، فلما كان الغد قال عمرو بن العاص للنجاشي: أيها الملك! إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولا عظيما، فأرسل إليهم النجاشي يسألهم عن قولهم في المسيح، ففزعوا، ولكنهم أجمعوا على الصدق، كائنا ما كان، فلما دخلوا عليه، وسألهم قال له جعفر: نقول فيه الذي جاءنا به نبينا صلّى الله عليه وسلم: هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول. ثم كانت عاقبة هذا الصدق النجاة، تقول الرواية: “فأخذ النجاشي عودا من الأرض، ثم قال: والله ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود”.

أيها الداعية أنت صاحب دعوة مطالب بتمثيلها وشرحها وتوضيحها وعرضها فى كل حالاتك، بالعمل قبل القول، وفى الشدة والرخاء، وفى السراء والضراء، فى المنشط والمكره ، فاحرص أن تكون من المحسنين، كما قال الله تعالى عن يوسف عليه السلام فى الضراء فى السجن، وفى السراء فى الملك (نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 36] {قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 78].

شاهد أيضاً

ترزي القوانين وتعديلات دستور العسكر!! كتبه عزالدين الكومي

“فتحي سرور” الذي تجاوز الثمانين من عمره، تاريخه معروف،فهو أحد أعضاء التنظيم الطليعى الناصرى، وبعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *