الرئيسية / المقالات / عاشوراء: ذكرى انتصار المؤمنين على المجرمين

عاشوراء: ذكرى انتصار المؤمنين على المجرمين

فى مطلع كل عام هجرى، فى العاشر من المحرم، تتجدد ذكرى انتصار موسى -عليه السلام- على فرعون، ما يُعرف بـ (عاشوراء)، وهو من أيام الله التى تستحق الاحتفاء؛ لما يمثله من فضل الله على المسلمين بنصرهم على الكافرين، ولما يبثه من أمل فى النفوس، ولدلالات أخرى كثيرة لا يلتفت إليها كثير من المسلمين الذين انشغلوا بقضية صوم هذا اليوم وما فيها من جدل، وتركوا دروس اليوم العديدة.

عن ابن عباس –رضى الله عنه– قال: (قدم النبى – صلى الله عليه وسلم– المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بنى إسرائيل من عدوهم فصامه موسى شكرًا لله فنحن نصومه، قال: فأنا أحق بموسى منكم. فصامه وأمر بصيامه).

ولا يخفى على لبيب ما فى هذا الحديث من دروس. فأولاً: هذا يوم يستحق أن يُحتفى به؛ ففيه نجاة كليم الله ومن معه من المسلمين وقد كانوا فى قبضة عدوهم: البحر أمامهم وفرعون وجنده خلفهم، ولا فرصة للنجاة لفئة قليلة العدد والعدة. هنا تتجلى معية الله، ويفى الجبار بوعده، فلا تسل عن سبب، ولا تظن بقدرته الظنونا؛ فإنما أمره بين الكاف والنون، لقد قال أصحاب موسى: إنا لمدركون، قال: إن معى ربى سيهدين، فلم يخيب المقتدر ظن نبيه به فأنجاه وقومه وغرّق فرعون وقومه؛ مصداقًا لناموسه الذى لا يتبدل: (ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ) [يونس: 103].

أما مشاهد الغرق والنجاة وكيفية وقوع المعجزة فتؤخذ من مظانها، وهى لا تُستوعب لغرابتها على عقول البشر، إلا من آمن بالله ربًا وبالإسلام دينًا وعقل معانى القدرة والملكوت.. من أجل ذلك صام موسى وقومه هذا اليوم؛ شكراً لله، ولا يفعله إلا مؤمنون يقابلون الإنعام بالطاعة، والعطاء بالشكر، والنصر على الأعداء بالصوم وليس بحشد المغنيات والراقصات وانتهاك الحرمات، ثم يقتدى نبينا – صلى الله عليه وسلم– بموسى قائلاً: (فأنا أحق بموسى منكم) وهذا هو منهج الإسلام –الدين المهيمن الخاتم– مع النبيين والرسل السابقين وأقوامهم؛ فإنهم جميعًا –صلوات الله عليهم– أمة واحدة وسلسلة متصلة، وعقد لا ينفرط (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء: 92].

نعم.. نحن أولى الناس بموسى؛ لأننا نعرف قدره، ولأننا على منهجه وطريقته ودينه الذى حرفه أتباعه واشتروا به ثمنًا قليلا، وما ينطبق على موسى ينطبق على سائر الأنبياء، يقول النبى –صلى الله عليه وسلم-: (أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم فى الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوة لعلات؛ أمهاتهم شتى ودينهم واحد). فلا يحق لأحد المزايدة على المسلمين وادعاء أن دينهم يعادى الأديان الأخرى أو لا يعرف قدر رسلهم وأنبيائهم.

وإن مما نفيده كذلك من تلك الحادثة –نحن المسلمين– ألا نيأس من روح الله مهما تكالب علينا الأعداء ومهما حاصرتنا المحن -ما دمنا طائعين صابرين-؛ ذلك أن العاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين؛ وهو عين ما نصح به موسى قومه قال: (اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف: 128] وذلك بعدما أظهروا اليأس واتهموه بأنه من تسبب فى أذاهم وإلحاق الضرر والهزائم بهم، فلما أخذ الله الفرعون نكال الآخرة والأولى صار ذلك عبرة لهم ولإخوانهم المسلمين من بعدهم، قال تعالى (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [غافر: 51، 52].

إنه مهما انتفش الباطل فسيظل باطلاً، مهما اغتر به الناس؛ إذ سوف تأتى ساعة يحين فيها اجتثاثه، يكون ساعتها صغيرًا حقيرًا مدحورًا، لا تنفعه قوة ولا كثرة، ولا ينجيه عدد ولا عدة، أما المؤمنون المجاهدون الثابتون الصابرون فيكبرون الله على ما آتاهم من نصر وعز، ويحمدونه أن جعلهم من أهله وأوليائه من شملهم بعنايته وفتح لهم أبوب رحمته.

شاهد أيضاً

ترزي القوانين وتعديلات دستور العسكر!! كتبه عزالدين الكومي

“فتحي سرور” الذي تجاوز الثمانين من عمره، تاريخه معروف،فهو أحد أعضاء التنظيم الطليعى الناصرى، وبعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *