الرئيسية / المقالات / رواتب الوزراء .. وانعدام الإحساس بالمسئولية بقلم:جمال سلطان
Image processed by CodeCarvings Piczard ### FREE Community Edition ### on 2018-01-24 17:30:53Z | | ÿ

رواتب الوزراء .. وانعدام الإحساس بالمسئولية بقلم:جمال سلطان

الشعوب تقتضي الحكمة ، وسياسة الدول تقتضي الإحساس بالمسئولية ، وعندما تغيب هذه وتلك تكون الحكومة قد دخلت في نطاق “الضلال السياسي” ، وأحسب أن هذا ما حدث عندما قرر البرلمان الموافقة على طلب الحكومة رفع رواتب الوزراء لتقترب من خمسين ألف جنيه ، الحد الأقصى للأجور ، وكذلك رئيس الوزراء ونوابه وآخرين من كبار رجال الدولة ، إضافة إلى رفع المعاش بنسبة 80% من الراتب .
هذا القرار المدهش ، يعطيك الانطباع بأن البعض يعيش بيننا وهو بخياله ومشاعره ونمط حياته في عالم آخر ، في دنيا أخرى ، لا يشعر بوجود شعب من أساسه ، أو ربما يحتقره ولا يعبأ بوجوده فضلا عن أن يعبأ بآلامه ومعاناته ، هذا القرار يأتي في سياق حالة من الكآبة العامة في البلاد نظرا لسوء الأحوال الاقتصادية ، وتردي الأحوال المعيشية لملايين المصريين والارتفاع المتوالي للأسعار وضعف الرواتب ، وتآكل الطبقة الوسطى ودخول ملايين المواطنين منها في نطاق حزام الفقر والعوز والمعاناة ، يأتي هذا القرار في الوقت الذي تحدث رئيس الجمهورية مرارا وتكرارا عن حجم المعاناة التي تعانيها الدولة ، وضعف مداخيلها ، وأكد ذلك ذات مرة ثلاث مرات في جملة واحدة لترسيخ المعنى “احنا فقرا قوي قوي قوي” ، وفي ظل هذه الأجواء وتلك التصريحات ، نفاجأ بأننا لسنا فقراء ولا حاجة ، وأن الدولة تقرر الإغداق على الوزراء ورفع رواتبهم ليتسنى لهم العيش في “بحبوحة” بعيدا عن الضنك الذي يعيش فيه الناس ، أو باعتبار أنهم من الطبقات الكادحة التي يتجب إدراجهم في بطاقات التموين وقوائم الصدقات ، حسب ما عبر بعض المصريين الذين حولوا الفاجعة إلى نكات وتهريج من فرط الصدمة وغياب الإحساس .
قبل أعوام ، وفي بداية عهده ، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي أنه قرر التبرع بنصف أملاكه دعما للبلد ، لكي يرسل رسالة سياسية إلى الناس بأنه يشعر بمعاناتهم كما يدرك عمق الفقر الذي يهدد أعمال الدولة ، وقال أن “الكرسي اللي ها يتكسر مش ها نعرف نصلحه لأنه ما فيش فلوس” ، ودعا المصريين للتبرع للدولة وأنشأ صندوقا للتبرعات ، وهناك بسطاء استجابوا للدعوة بالفعل ، وأغلبهم من غير الميسورين ، لديهم إحساس بالمسئولية ، والإحساس نعمة لا يدركها كل أحد ، وهناك سيدات خلعت “حلقها” أو أسورة ذهبية من يدها ، وتبرعت بها لتسند الدولة ، ثم يأتي البرلمان “ليغرف” من المال العام ومن “نبل” هؤلاء البسطاء ليعطي الوزراء باعتبار أنهم يعانون ، وأنهم لا يعيشون العيشة اللائقة ، رغم كل المخصصات التي يحصلون عليها ، والبدلات ، التي تصل إلى عشرات الآلاف من الجنيهات شهريا ، وفي بعض بلاد العالم التي لدى المسئولين فيها “إحساس” يتنازل الوزير عن راتبه ، أو عن نصف راتبه ، مراعاة لظروف الدولة والناس ، وهناك رئيس جمهورية في أمريكا اللاتينية كان يركب سيارة “فولكس” قديمة من بقايا إنتاج هتلر التي أنتجها خصيصا للعمال الفقراء ، بينما أهيف وزير عندنا لديه أسطول من سيارات المرسيدس الحديثة .
قرار البرلمان برفع رواتب الوزراء ، ورفع معاشاتهم لتكون 80% من الأجر الجديد الذي حدده ، أتى بعد أسبوع واحد من صدور حكم القضاء الإداري بإنصاف ملايين المصريين الفقراء برفع معاشاتهم المستحقة مائة جنيه ، فقط مائة جنيه ، وهو مبلغ تافه وبسيط جدا ، ولكن الحكومة استكثرته على الفقراء ، فقامت بالطعن على حكم المحكمة مطالبة بإلغائه ، إنها مفارقة حزينة وبائسة ، وتؤكد أن بعضا ممن يديرون أمور هذا البلد لا يصلحون حتى لإدارة محل بقالة ، انعدام كامل للإحساس بالمسئولية ، وغياب أي رؤية سياسية ، ولك أن تتخيل أن موظفا أفنى عمره في خدمة البلد ، وقضى ما يقرب من أربعين عاما ، يستخسرون فيه زيادة مائة جنيه شهريا ، بينما شخص محظوظ اختاروه وزيرا ، يقضي عاما واحدا في في خدمة البلد ، فيحصل على 33 ألف جنيه معاشا بقية عمره ، وقد يكون هذا الفارق بين اثنين زملاء من أساتذة الجامعة مثلا ، لهم نفس الخبرات ونفس السلم الوظيفي ونفس الشهادات العلمية ، فيخرج هذا إلى المعاش بألفي جنيه ، ويخرج صديقه وزميله السابق بثلاثة وثلاثين ألف جنيه .
إن هذه الواقعة أبعث بها إلى الرئيس شخصيا ، لأنه هو الذي غضب عندما طالبه أستاذ جامعي وعضو برلماني برفع الحد الأدنى للأجور ، وشخط فيه ، وقال العبارة المشهورة “انت دارس الكلام ده قبل ما تقوله” ، وأعطاه درسا في أهمية مراعاة ظروف البلد وضيق ذات اليد ، كما أنه صاحب العبارات الشهيرة للناس : أجيب منين ، أنا عايز أديكم بس منين ، أرجو أن يجيب الرئيس على تساؤلات ملايين المواطنين ، إذا كانت الدولة فقيرة ، وما فيش ، من أين أتت الملايين التي سيتم ضخها في جيوب كبار المسئولين ، ولماذا تهتم الدولة بالكبار وأركان النظام بينما تسحق عامة الشعب ولا تعبأ بآلامهم ومتاعبهم وفقرهم وبؤس حالهم ، المسئولية السياسية لرئيس الدولة تقتضي أن يتدخل هنا ، وأن يحدث الناس ، وأن يفسر ما حدث أو أن يتداركه ، فهل يفعل .

شاهد أيضاً

ترزي القوانين وتعديلات دستور العسكر!! كتبه عزالدين الكومي

“فتحي سرور” الذي تجاوز الثمانين من عمره، تاريخه معروف،فهو أحد أعضاء التنظيم الطليعى الناصرى، وبعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *