الرئيسية / المقالات / الفارّون من معسكر الشرعية كتبه عامر شماخ

الفارّون من معسكر الشرعية كتبه عامر شماخ

تداول الناس قضية انقلاب البعض على معسكر الشرعية بعدما كانوا من الفاعلين فيه، الداعمين له وما بين عشية وضحاها صاروا خصومًا لأنصاره، طاعنين فى أفعالهم وأخلاقهم، مشككين فى عقيدتهم ومبادئهم..

وقد نالت قضية الشاب النصرانى الذى عاد من تركيا مفاخرًا بالفرار من الإخوان وأنصارهم -من الزخم ما لم تنله قضايا آخرين سبقوه بالفرار، فلقى اهتمام إعلام العسكر، ونال رضاءهم لما اعتبروه «ضربة موجعة للإخوان» وأنها قاصمة الظهر لهذا التيار «الإرهابى» العنيد.

ولا يدرك المساكين أن هذا أمر طبيعى فى الصراع بين الحق والضلال، وأن الله -تعالى- يهيئ مثل هؤلاء العملاء، ومثل هذه المواقف ليحذر أهل الحق، وليميز الخبيث من الطيب، وليتوكل المؤمنون على ربهم حق التوكل، والخاسر هو من فعل هذا الفعل الخسيس، وعلى الباغى تدور الدوائر..

إذ منذ بدء الدعوة الإسلامية، ومنذ جهر المعصوم صلى الله عليه وسلم بها، وهذا «السيناريو» يحدث مرارًا؛ كى يجزع الموحدون، فيقع الخلل فى صفهم، ويتراجع ذوو القلوب الواجفة والإيمان الضعيف. بل لا نبالغ إذا قلنا إن هذا «السيناريو» يتكرر بحذافيره مع اختلاف المسميات التى تغيرت بفعل عامل الزمن وتعاقب حقب التاريخ..

فما من معسكرين للحق والباطل إلا وتجد فى الأول سماعين للآخر (جواسيس)، يدفعون بهم فى الفترات الأولى لتكوين معسكر الحق؛ فيبدون كأنهم من أهله، فلا يشك فيهم أحد، وكيف يشك وهم المؤسسون، المتحدثون بلسان أهل الحق، الأكثر نشاطًا وظهورًا، وفدائية.. ويظل هذا (الدَّعى) يؤدى دوره حتى إذا حانت ساعة تشويه أهل الحق، انسحب مخلفًا وراءه صورًا شائهة عن هذا المعسكر بعدما آكلهم وشاربهم وعاش معهم، وعلم مكامن ضعفهم ومواضع عجزهم.. وهذا ما تحدث عنه القرآن الكريم صراحة بقول الله العزيز الحكيم (وَقَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [آل عمران: 72].

وهناك من يفزع إلى معسكر الشرعية طمعًا فى مكسب، أو انتفاعًا بمغنم، أو حبًا فى الظهور، أو تطلعًا للحاق بركب تيار له صيت وبريق، يحسب أنه يحصل من قيادته أو من هذا البريق على شىء؛ فإذا هو سراب خصوصًا أن أهل الحق أقل فى الإمكانات، وأضعف فى العدد والعدة، وليسوا محاضن زعامات فارغة وواجهات كاذبة كما فى المعسكر الآخر؛ وحينما لا يجد ما تطلع إليه فإنه ينقلب على عقبيه، ثانى عطفه ليضل عن سبيل الله، وفى هذه الأثناء ربما قدم له معسكر الباطل إغراءات، أو اتصل به شياطينه سرًا لتأليبه على المعسكر الذى لا يزال يقيم فيه؛ فإن كان مخلصًا للحق بريئًا من الباطل نجا وسلم فلم يستجب، وإن كانت الأخرى تقيأ ما يمليه عليه أهل الباطل، وأظهر السيئات، ووارى الحسنات، وأحال المعروف منكرًا والمنكر معروفًا..

ولعل كعب بن مالك أحد الثلاثة الذين خلفوا وتاب الله عليهم -رضى الله عنه- يمثل من نجح فى الاختبار، وتغلب على نفسه؛ فإن أحد ملوك الغساسنة (معسكر الباطل) خاطبه وهو لا يزال فى محنته قائلا -فى خطاب أرسله إليه-: الحق بنا نواسك؛ أى دعك من محمد ودينه وهلم إلينا نكرمك ونقر لك قدرك ومكانتك؛ فما كان منه -رضى الله عنه- إلا أن عمد إلى التنور فأحرق الخطاب وقال قولته الشهيرة: «وتلك مصيبة أخرى!!». وأما المثل الآخر فيمثله جبلة بن الأيهم، أحد ملوك العرب، ممن أسلموا طمعًا فى الإبقاء على ملكه وليس حبًا وإخلاصًا للإسلام والإيمان؛ من ثم فإنه مع أول اختبار عملى ولى مدبرًا فارًا إلى معسكر الكفر؛ إذ لما قدم على عمر مسلمًا خرح المسلمون جميعًا فرحين بإسلامه ومن معه، وقد كان لوفده زينة وجلال الملوك.. فبينا يطوف بالبيت إذ وطئ على إزاره رجل من فزارة فحله، فضربه جبلة مغضبًا فهشم أنفه، فاستدعاه عمر، وحقق معه، فقال من بين ما قال «والله لقد رجوت أن أكون في الإسلام أعز منى فى الجاهلية»؛ ثم لم يلبث من ليلته أن تنصر، وفر إلى هرقل الروم.

وهناك مخلصون للفكرة، محبون للدعوة لكنهم لا يحتملون الضغوط ولا ينجون من إغراءات الطرف الآخر. وهذا الصنف من الفارين ربما هُدد بأهله، وماله وذوى قرباه، وربما لم يقو على المقاومة فيستسلم وعيناه تفيض من الدمع، أما شياطين الإنس فلا يتركونه حتى يرغموه على تشويه معسكره، ورميه بالتهم والخيانات، فيفعل ويصير واحدًا من المجرمين؛ فنسأل الله له الهداية وأن يستنقذه من هذا الضلال..

ولعل قصة حاطب بن أبى بلتعة فى مطلع سورة الممتحنة تمثل جانبًا من حال هذا الصنف من الفارين، وهو من هو كما أشاد به النبى؛ إذ هو «بدرى»؛ ورغم ذلك اتصل بمعسكر الكفر يدلهم على تحرك جيش المسلمين؛ طمعًا فى أن يحموا أهله، وكان ممن ليس لهم قرابة فى مكة مثل حال باقى إخوانه المسلمين.

وتلخص (الحاجة زينب الغزالى) -رحمها الله- الصورة الأخرى لهذا الصنف فى مذكراتها، تقول: «أخذ رجال المباحث والمخابرات الناصرية يطلبون مقابلتى ويعرضون علىَّ عروضًا لإعادة المركز العام للسيدات المسلمات، وكانت هذه العروض تكلفنى أن أشترى الدنيا بالآخرة، وعلى سبيل المثال عرضوا علىَّ إصدار مجلة السيدات المسلمات باسمى كرئيسة للتحرير وصاحبة الامتياز مقابل 300 جنيه شهريًا؛ على ألا يكون لى شأن بما يُكتب فى المجلة. وكان جوابى: مستحيل أن تصدر مجلة السيدات المسلمات من مكاتب المخابرات لتنشر علمانية العهد، لم أعتد إلا أن أكون مسئولة مسئولية فعلية.. كذلك عرضوا علىَّ إعادة المركز العام وصرف إعانة قدرها عشرون ألف جنيه سنويًا، على أن يكون إحدى مؤسسات الاتحاد الاشتراكى، وكانت إجابتى: إن شاء الله لن يكون عملنا إلا للإسلام، ولن نهوى ولن نضل. وكان الرفض يغضبهم، ولكنهم يحاولون إغرائى المرة بعد المرة، وكنت أتعجب من هذه الطريقة ومن إصرارهم على هذه المحاولات الفاشلة».

شاهد أيضاً

ترزي القوانين وتعديلات دستور العسكر!! كتبه عزالدين الكومي

“فتحي سرور” الذي تجاوز الثمانين من عمره، تاريخه معروف،فهو أحد أعضاء التنظيم الطليعى الناصرى، وبعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *