الرئيسية / المقالات / مراجعات واجبة على الإخوان المسلمين (4)

مراجعات واجبة على الإخوان المسلمين (4)

مراجعات الإخوان (4)
حول أهداف الجماعة وغاياتها!
بقلم: عماد الدين محمود

تمهيد:

تحدثنا المرة الماضية عن منهجية تقدير الأمور والمواقف والأشخاص والحكم على ذلك كله والتعامل معه، والملاحظات التي نرى أنه لابد علينا نحن الإخوان المسلمين الوقوف معها ومراجعتها وتصحيح بوصلتها، وكان ذلك بصورة إجمالية ملخصة، وعدنا بتفصيلها مع تقديم ما نراه من مقترحات حول ما نطرح.. وكان من ذلك المجمل الذي ذكرناه كلاماً حول أهداف الإخوان ومراتب العمل للوصول لهذه الأهداف وخطة ذلك وتحولها إلى مسار آخر تماما ً منذ 25 يناير 2011 (الثورة – الحزب والانتخابات – العمل النوعي… الخ) وهو الموضوع الذي يترتب عليه مزيد من التفصيل كما يلي إن شاء الله:

الغاية

أما أن الله غايتنا فهذا أمر مفروغ منه، ولابد أن يكون هو الإطار والضابط الواضح المفصل المحسوم القطعي لأي عمل أو دور فردي أو جماعي، وهو المنتهى في كل ما نقوم به من الأعمال.

بيد أنها غاية محسومة يمكن أن أحققها بصورة فردية (في ظل غياب جماعة المسلمين بخليفتهم، فالتواجد في الدائرة الواسعة لعموم المسلمين مع إصلاح العقيدة والعبادة والعمل والاستقامة على سنة النبي صلى الله عليه وسلم يكفيني لأحقق هذه الغاية دون الارتباط بجماعة.

الهدف الرئيسي من الإخوان

الأمر إذن دقيق وله هدف دنيوي واضح ومحدد، فالإخوان تجمع من المسلمين أنشئ وكان الهدف منه العمل على استعادة الخلافة الإسلامية الضائعة والمنتهية في ظل مراتب واضحة ومحددة صاغها الإمام المؤسس للجماعة بالفرد المسلم ثم البيت المسلم ثم المجتمع المسلم ثم الدولة أو الحكومة المسلمة ثم الخلافة الراشدة وهي التي عبر عنها بلفظ” أستاذية العالم”.

هكذا صاغها الإمام البنا – رحمه الله – وهكذا عشناها جيلاً بعد جيل وهكذا فهمناها، وطالما تحاورنا وتساجلنا وتحدثنا مع غيرنا من الجماعات الإسلامية المغايرة لنا حولها، ونافحنا عنها وكافحنا، لأننا فهمناها وسرنا خطوات هائلة فيها، وتواجد لدينا – وما زال – الرصيد الهائل من الأفراد(الذين فهموا الإسلام بشموليته واجتهدوا في تطبيقه ) وهم الذين عناهم الإمام البنا بـ”الفرد المسلم”، كما وجدت برصيد أقل تلك التي نطلق عليها “البيوت المسلمة” بما تعنيه الكلمة من التزام بهدي الإسلام في البيوت والسلوك والأخلاق والمعاملات والعبادات على مستوى الزوجة والزوجة والأولاد والأهل، كما وجدت بنسبة أقل مؤسسات تستطيع أن تقول أنها مؤسسات تنتسب للإسلام حقيقة في تعاملاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فيما يهدف إلى إنشاء المجتمع المسلم(كالمدارس والمستشفيات والجمعيات الأهلية المنبثقة من الجماعة وعملها ونشاطها).

وذلك كله سيراً على درب خطة واضحة لاستعادة خلافة إسلامية راشدة على منهاج النبوة، وأستاذية العالم بمبادئ الإسلام الراقية السامقة.

ماذا حدث؟

ثم إذ بنا فجأة تحدث ثورة في مصر(البلد الأم للجماعة، والتي بها يقع مكتب الإرشاد لائحياً وواقعياً )، لا يشارك فيها الإخوان فقط، بل يكونون هم الرقم الأول في تحريكها وتفعيلها والتأثير في كل قراراتها(خاصة مع انحياز جل المعسكر الإسلامي لهم ومعهم ).

هذه الثورة(سواءاً كانت مصطنعة أو حقيقية ) جرفت الإخوان جرفاً لمسارات ومراتب أخرى للعمل ترتب عليها بعد المشاركة في الثورة انخراطاً كاملاً شاملاً في العمل السياسي والحزبي والانتخابي، وضعف رهيب في خطوات العمل في المراتب التي سارت الجماعة عليها عقوداً من الزمن ثم حدث ما حدث من وصول الإخوان لمنصب رئاسة الجمهورية بمصر، ثم الانقلاب وما تبعه من تغير طفري في سلوك الجماعة باللجوء المرحلي الزمني للعمل النوعي وما ترتب عليه من خلاف رهيب بين أفراد وقيادات للجماعة حول شرعية هذا العمل وفق مبادئ الجماعة من عدمه، وما تبعه من انشطار ثم من محنة قتل واستشهاد قيادات وأفراد واعتقال آخرين في كلٍ من التيارين المختلفين…

حقيقة أن الإخوان تركوا(فعلياً ) مراتب العمل التي دأبوا عليها، واستغرقت جهودهم في مسارات أخرى تماماً لا يمكن لعاقل أو منصف أن ينكرها، ولا يمكن لأحد أن يدعي أنها كانت شيئاً طارئاً، كما لم يكن الأمر تحولاً مؤقتاً في السلوك نتيجة حدث بانتهائه أو تمامه تعود الأمور لمجراها، بل كان تحولاً في المفاهيم والأفكار والرؤى، حتى فيما تعودنا عليه أثناء عملنا في مراتب العمل المختلفة، فوجدنا مثلاً أماكن تلغي كثيراً من الوسائل التربوية الخاصة بالإخوان لتوجد ألفاظاً لوسائل جديدة(كلفظ: التربية في الميدان). كما سمعنا من يطالب بإعادة قراءة كلام الإمام المؤسس لإعادة تفسيره بما يوافق اختيارات حركية له لإقرار النوعي أو التمسك بالسلمية… الخ.

لقد كان الأمر تحولاً جذرياً في مفاهيم وخطة عمل ومسارات سلكنا عليها عقوداً ثم ذهبنا لغيرها لحدث طارئ (ثورة 25 يناير).

كيف حدث هذا التحول والتغير والتبدل، وكيف انسقنا (كلنا  وراءه بهذه الصورة العجيبة؟ الأمر بين تفسيرين: إما أنه في لحظة مفصلية، تاهت منا بوصلة الأمور ونسينا خطتنا ومراتب العمل الواضحة الخاصة بنا، وتحركنا بسياسة رد الفعل ودخلنا في دوامة الثورة وتداعياتها ونحن فاقدين لمنهجيتنا التي دأبنا عليها، أو أننا قدرنا(بسرعة خاطفة ) انتقالنا(رغم أن مراتب العمل ليست متدرجة بل في أغلب حالها متشابكة) إلى مرحلة الحكومة المسلمة والدولة المسلمة.

وكلا التفسيرين ينم عن خلل رهيب في منهجية تقدير الأمور والأشياء والحكم عليها في مؤسسة بحجم ودقة وعمق الإخوان المسلمين، وهو بيت الداء ولب القصيد.

الملاحظات على ذلك كله:

والمراجعات التي أرى أنه علينا نحن الإخوان المسلمين النظر فيها والتوقف معها وتصحيح بوصلتها تتلخص في أنه ينبغي أن نقف مع الأهداف والغايات الخاصة بالجماعة وإنشائها ثم النظر في مراتب العمل المحددة فيها سلفاً للوصول إلى الغايات والأهداف وقفات نقد وتقييم وتثبيت أو تصحيح، يجيب فيها الإخوان أنفسهم عما يلي من تساؤلات:

1. هل لازلنا ننافح عن مراتب العمل وفق ما أسسه الإمام البنا وتعارفنا عليه وجرت مفاهيمه مع كرات دمائنا ؟ وهل هي مفهومة وواضحة ؟ أم أننا فقدنا بوصلتها، ولم نعد نميزها مع سير الأحداث وانهماكنا فيما نحن فيه من آثار للمحنة ؟، وهل نحن قادرين على استعادتها والوقوف على نقطة صفرية ننعتق فيها من آثار الأحداث منذ 25 يناير ليومنا هذا، لننطلق منها مرة أخرى لتحقيق أهدافنا المنشودة ؟

2. هل هذه المراتب وما ترنوا إليه من هدف عظيم هو من ثوابت الجماعة ومن مبادئها الواضحة ؟ أم أنها متغيرات تخضع للتقييم والمراجعة وإعادة البرمجة والتوصيف، وما يستتبعه من خطوات ؟ وإن كانت من الثوابت فهل نستطيع قياس تحققها بآليات ومنظومة واضحة للتقييم والحكم على الأشياء ؟ هنا سأفصل في هذه النقطة لأنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بموضوع هذه المقالات المتفرعة من موضوع منهجية الحكم على الأشياء والأمور، فأوضح وأعطي مثالاً عما أريد كما يلي:

القياس هنا أقصد به أن يكون وفق قواعد مؤسسية علمية ومهنية واضحة وعلى يد متخصصين ومحترفين ودارسين ومتعمقين في الأشياء يأخذون بدقائق الأمور وروحها ولبها، وليس كما كان يتم من استبيانات لشرائح(هشة – غير معبرة جزئية – نظرية – من هواة غير محترفين ولا مدربين ولا دارسين – ويسقطون الأمور بطريقة رياضية بحتة…. الخ )

خذ عندك مثلاً: هدف مطاط وضع فيما قبل سماه من وضعه(أسلمة المجتمع ) وأرادوا قياسه للوصول لحالة المجتمع ومدى اقترابه من هذا الهدف، فكيف قاسوه؟

جلست مجموعات من الإخوان الموظفين دعوياً في ذلك الجانب في جلسات عصف ذهني ليستخرجوا مجموعة من أسئلة الهواة لينطلقوا بها من خلال أفراد من الإخوان قدمت مواصفاتهم منذ سطرين، ليجمعوا نتائج عادوا بعدها بتحليلات واهية غير معبرة عن حالة المجتمع وارتباطه بالإسلام من خلال إجابة العامة والمارة على هذه الأسئلة.

وتغافل واضعوا الهدف وصانعوا الاستبيان الروح التي عليها المجتمع وما نعيشه ونراه واقعاً مغايراً بعيداً كل البعد عن الإسلام وهديه في الجوانب الاجتماعية(الإدمان – التدخين – الانفكاك الأسري – تفشي المعاصي كالزنا وزنا المحارم – زي المرأة والتبرج والاختلاط – الزواج العرفي – الطلاق – العنوسة -…. ) والاقتصادية(الربا – غصب الأموال – السرقة – الرشاوي – البطالة -…. الخ ) السياسية(الأحزاب الميكيافيلية – هشاشة العوام وخفتهم وخنوعهم للظالم المستبد – الإعلام الفاسد -….. ) التربوية(انهيار الفنون والمسرح والتليفزيون والسينما والمادة الأخلاقية الفاسدة المفسدة التي تقدمها هذه الأجهزة – فساد الإعلام – مناهج التربية والتعليم الفاشلة -…. الخ

تغافل واضعوا الاستبيان عن هذا كله، وعن الروح التي عليه المجتمع في تعامله مع هدي الإسلام وعن الجهل الرهيب المتفشي في كل الطبقات وعن.. وعن.. ليعطوا نتائج ودلالات توحي بأن المجتمع بعد 25 يناير في طريقه لقبول الإسلام حكماً ومنهجاً وقائداً..

والخطأ في ذلك أن الطريقة غير مؤسسية ولا علمية، كما أنها تغفل جانب التقييم الواقعي والفعلي والروحي، مثل هذه الأهداف المطاطة ليست قوانين رياضية نظرية تقاس، إنما هي نظري وواقعي وروحي وفهم لما وراء النص، لذا جاءت النتائج(بالتمني ) ولم تكن حقيقية ولا معبرة ولا تدل على الواقع. لماذا ؟

لأن المنهجية التي قامت عليها هذه التصرفات من تحديد أهداف مطاطة غير مقومة وقياسها بمنظومات خادعة غير محترفة وغير متفهمة للروح وللواقع هي منهجية خاطئة في الحكم على الأشياء والأمور.

3. من التساؤلات التي ينبغي لنا نحن الإخوان أن نجيب عليها: هل فعلاً تصلح هذه المراتب لاستعادة الخلافة الإسلامية في ظل هذه القوى الكبرى من الصليبية العالمية والصهيونية والماسونية وما تملكه من أنماط تفكير ومنهجيات وأدوات وأساليب لحربنا ؟ أم أن الأمر يحتاج لإعادة نظر في مراتب العمل الموصلة لهدفنا ولخطتنا المؤدية له ؟

4. من هو المسئول عن هذه الأهداف وعن مراتب العمل وعن الخطة، وعن قياسها قياساً حقيقياً بمنهجية وبآليات واضحة مؤسسية علمية للتقييم والقياس والإدارة ؟ وهل ذلك دور أصيل لمكتب الإرشاد، أم أنه يجوز العهد به وتحميله للجنة(كلجنة التنمية أو الخطة ) والاكتفاء بالإشراف على عملها ؟

5. هل هذه الأهداف والمراتب والخطة خاصة بالبلد المؤسس(الذي يتواجد به مكتب الإرشاد ) أم أنها مرتبطة بكل الدول التي توجد فيها الجماعة(86 دولة ) وخاصة تلك البلاد التي قطعت شوطاً كبيراً في مراتب العمل وتغالب الأنظمة السياسية فيها بمشاركات وأنشطة سياسية واقتصادية واجتماعية وكيانات تنبئ عن المسافة التي قطعتها الجماعة بتلك الدول للوصول للهدف المنشود وتنسيقه بين كل تلك الدول للوصول لأستاذية العالم؟ وكيف يمكن أن يتم فيها التنسيق بين تلك الدول على المستوى العام؟ وكيف لمكتب الإرشاد أن يغفل هذا الدور والتعامل معه، وسيعود لنا هذا التساؤل بشدة حين نقترب من تجارب ينبغي أن تراجع كتجربة جبهة الإنقاذ الجزائرية في التسعينات وتجربة الحزب الإسلامي في العراق مع المحتل الأمريكي، وهي تجارب تظهر غياب دور مكتب الإرشاد حول هذه الأهداف والمراتب والخطط في خارج مصر، وفقاً لقاعدة أراها خاطئة(بالنسبة لجماعة تهدف لاستعادة الخلافة الإسلامية الراشدة ): أن أهل كل بلد أدرى بشئونها….. وسيدور حولها الحديث إن شاء الله في حينها.

هذه تساؤلات خمسة تتعلق بأهداف الجماعة ومراتب العمل بها، كخطوة من تصحيح منهجية الحكم على الأمور والأشياء والأشخاص والهيئات والمواقف، يحق لغيري أن يضيف إليها أو يحذف منها، لكنها في كل الأحوال تشير إلى أنه ينبغي لنا أن نراجع نحن الإخوان المسلمين موقفنا بوضوح وجلاء فيما يتعلق بأهدافنا وغاياتنا التي تأسسنا من أجلها وانضممنا أجيالاً لاحقة للتأسيس بالجماعة من أجلها، على كل واحد منا فرداً أو مسئولاً أن يقف معها بالرأي والتمحيص والمراجعة والتدقيق والتثبيت.. أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد. (يتبع إن شاء الله).

شاهد أيضاً

ترزي القوانين وتعديلات دستور العسكر!! كتبه عزالدين الكومي

“فتحي سرور” الذي تجاوز الثمانين من عمره، تاريخه معروف،فهو أحد أعضاء التنظيم الطليعى الناصرى، وبعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *